لطالما كانت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مثار جدل واسع نظراً لما تحمله من آراء صادمة وآراء سياسية نارية، ولكن هذه المرة، الحديث لم يكن عن سياسة أو استراتيجيات بل عن الحكام العرب.
ترامب، الذي تعودت تصريحاته على إثارة الهرج والمرج، لم يتورع عن الكشف عن وجهه الحقيقي تجاه القادة العرب في محادثات وأحاديث خاصة تخللت فترات حكمه. لم يكن الأمر مجرد تلميحات بل كانت كلمات صريحة تكشف عن تصورات ترامب الشخصية لما يعتقده حول كل قائد منهم.
لكن اللافت كان في هذه التصريحات الطريقة التي وصف بها هؤلاء القادة، وهو ما يعكس موقفه المستفز والمستعلِي تجاههم. كل وصف كان محملاً بالكثير من الأبعاد السياسية والشخصية التي تستحق التوقف والتأمل.
عبد الفتاح السيسي: قاتل لعين وديكتاتوري المفضل
من بين جميع الحكام العرب الذين تم تناولهم في تصريحات ترامب، يبقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأكثر إثارة للانتباه. ترامب لم يخفِ انطباعاته حول السيسي حيث أشار إليه كـ “قاتل لعين” و”ديكتاتوري المفضل”.
وهذه الكلمات تعكس صورة قاتمة عن العلاقة التي تربط الرجلين. فبينما كان ترامب يعتني بتقوية روابطه مع قادة الشرق الأوسط كان يتحدث بشكل قاسي عن أسلوب السيسي في الحكم، الذي يتسم بالقمع، إلا أن ترامب أبدى إعجابه بنهج السيسي في الحفاظ على الاستقرار في مصر،
وهو ما دفعه إلى تبني سياسة تميل إلى دعمه رغم تصنيفاته القاسية. لم يكن للديكتاتورية في هذه الحالة أي مساحه للتساؤل فكل شيء كان متعلقاً بالقوة والبقاء في السلطة بأي ثمن.
محمد بن سلمان: الزعيم المتمكن، حبيبي الذي لا يُمس
أكثر من مجرد كلمة إعجاب أطلقها ترامب بحق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فقد وصفه بـ “الزعيم المتمكن” وأكد بشكل واضح أنه يكن له حباً خاصاً.
ترامب لم يخفِ عن الجميع مشاعر الود التي جمعته مع بن سلمان، بل ذهب إلى أبعد من ذلك في إعلانه عن “حمايته الدائمة” لولي العهد السعودي، وهو تصريح يعكس طبيعة العلاقة السياسية والاقتصادية التي تربط بين الرجلين.
الحرب في اليمن، مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وغيرها من القضايا التي كانت تلاحق بن سلمان، لم تكن لتؤثر على العلاقة التي بادر ترامب بتدعيمها.
كانت كل هذه التصريحات بمثابة إشارة واضحة لدعمه المطلق لبن سلمان بغض النظر عن عواقب ذلك، فالرجل بالنسبة له كان “حليفاً لا يقدر بثمن”.
محمود عباس: الأب الطيب في قلب ترامب
أما بالنسبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، فالأمر كان مختلفاً تماماً. ترامب رأى في عباس شخصاً مختلفاً عن بقية القادة العرب، إذ اعتبره “أشبه بالأب تقريبا” و”رجل لطيف للغاية”.
قد يكون هذا الوصف مفاجئاً بالنسبة للكثيرين خصوصاً أن العلاقات الفلسطينية-الأمريكية شهدت فترات من التوتر خلال فترة حكم ترامب، إلا أن حديثه عن عباس أظهر نظرة إنسانية بعيدة عن السياسة القاسية التي اعتاد ترامب التعبير عنها.
ربما كان هذا الوصف في جانب كبير منه استراتيجياً بهدف الحفاظ على نوع من التواصل مع القيادة الفلسطينية على الرغم من قرارات ترامب المثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
محمد بن زايد: مقاتل عظيم في نظر ترامب
أما الحاكم الإماراتي محمد بن زايد فكان له نصيب من الإطراء المفرط في كلام ترامب. وصفه الأخير بـ “المقاتل العظيم”، واصفاً إياه بالرجل الذي يمتلك الإرادة الحديدية والقوة اللازمة لتحقيق الأهداف.
لم يكن هذا الوصف مجرد إطراء سطحياً بل جاء في إطار الإعجاب الشديد بما حققه بن زايد من تطور اقتصادي وعسكري في الإمارات، وتحديداً في مجال تحالفات الإمارات العسكرية والسياسية في المنطقة.
ترامب لم يتوقف عن توجيه كلمات الثناء على بن زايد، مؤكداً على تقديره لشجاعته في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
ربما كان بن زايد أكثر الحكام العرب الذين شهدوا دعماً مباشراً من ترامب، وهو ما يعكس الارتباط الوثيق بين القيادة الإماراتية والإدارة الأمريكية في تلك الفترة.
تميم بن حمد: الحليف الرائع والصديق الوفي
أما أمير قطر تميم بن حمد، فقد كان له نصيبه من ثناء ترامب الذي وصفه بـ “الحليف العظيم” و”الصديق الرائع”. لم يقتصر إعجاب ترامب بتميم على العلاقات الاقتصادية والتجارية، بل شمل الجانب الشخصي أيضاً.
تميم كان بالنسبة لترامب أكثر من مجرد شريك تجاري، بل كان صديقاً حقيقياً وواحداً من القادة الذين يقدرون الاستقلالية والسيادة في اتخاذ القرارات.
كانت قطر تحت قيادة تميم تمثل نقطة استقرار في المنطقة بالنسبة لأمريكا، رغم التحديات السياسية المحيطة بتلك العلاقات. وصف ترامب تميم في عدة مناسبات بالكفاءة والذكاء، مشيراً إلى دور قطر الكبير في السياسة الإقليمية والدولية.
علاقات مليئة بالتناقضات والتفاهمات الضبابية
هذه التصريحات التي أدلى بها ترامب تعكس إلى حد بعيد تعقيد علاقاته مع الحكام العرب وتظهر بوضوح التناقضات الكبيرة بين ما كان يقوله عنهم في العلن وما كان يفعله في الخفاء.
ففي الوقت الذي كان يصفهم بالديكتاتوريين والمستبدين، كان يقدم لهم دعماً غير مشروط في أغلب الأحيان، مستنداً إلى مصالح أمريكا السياسية والاقتصادية.
هذه العلاقات الملتبسة بين ترامب وحكام العرب كانت بمثابة حلقة وصل بين مصالح متناقضة، ففي النهاية لم يكن السؤال عن شخصياتهم بل عن كيفية ضمان أمن أمريكا واستقرارها من خلالهم.