ترامب يعود للبيت الأبيض .. إعادة تشكيل النظام الدولي والتصدي للصين وروسيا
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في مشهد سياسي غير مسبوق ومثير للجدل، حيث انتزعت الولايات المتحدة خطوة جديدة نحو طريق غير مستقر وغير مألوف.
العالم يترقب هذا الرئيس الذي لا يعرف للهدوء طريقًا، والذي جعل من عودته إلى منصب الرئيس حدثًا استثنائيًا لم يسبق له مثيل منذ قرن تقريبًا.
هذه العودة ليست مجرد فوز انتخابي، بل هي مؤشر على معركة أوسع تدور رحاها بين أطراف متعددة، حيث القضايا الداخلية والخارجية تتشابك مع الطموحات الشخصية لهذا الرئيس الذي لطالما أثار الجدل والخلاف.
منذ لحظة الإعلان عن فوزه في الانتخابات الرئاسية 2024 أمام منافسته الشرسة كامالا هاريس، بدأت ملامح الحقبة الجديدة تتشكل.
لم ينتظر ترامب طويلًا ليعيد إطلاق شعاره الشهير “عصر ذهبي جديد للولايات المتحدة”، مستغلاً رسالته المتكررة حول الهجرة غير الشرعية باعتبارها أحد أهم القضايا التي وعد بمعالجتها بشكل جذري.
هذا الشعار ليس مجرد وعود انتخابية بل هو دلالة على السياسة القاسية التي ينوي تبنيها في فترة رئاسته الثانية، والتي يعتقد أنه من خلالها سيمكنه إصلاح كل ما يراه متعثرًا في الولايات المتحدة.
وفي خطابه الذي ألقاه عقب الفوز، تعهد ترامب بأنه سيعيد الولايات المتحدة إلى مجدها السابق وسيوحد الشعب بعد انقسامات استمرت لأربع سنوات مريرة.
أعلن عن عزمه على إصلاح الاقتصاد، إعادة بناء الجيش الأمريكي، وإيقاف الحروب التي طالما أرهقت البلاد، متعهدا بأن يكون رئيسًا للجميع، وأنه لن يتخلى عن أي من الوعود التي قدمها خلال حملته الانتخابية.
ورغم تلك الوعود، يتساءل الكثيرون عن كيفية قدرته على الوفاء بها، خاصة في ظل البيئة السياسية المتوترة داخليًا وخارجيًا.
ترامب لم يكتفِ فقط بالفوز على المستوى الرئاسي، بل تمكن حزبه الجمهوري من السيطرة على مقاعد مجلس الشيوخ في الولايات المتأرجحة، مما يمنحهم أغلبية برلمانية تضعف من قدرة الحزب الديمقراطي على مقاومة سياسات ترامب وتفتح له الباب واسعًا لتنفيذ أجندته السياسية والاقتصادية دون عوائق قوية. هذا الانتصار يمنح ترامب حرية حركة أكبر لتنفيذ سياساته الداخلية والخارجية، وسط ترقب عالمي كبير.
على الساحة الاقتصادية، يمثل ترامب بالنسبة للكثيرين رجل الإنجازات الكبيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بقدراته على إدارة الملفات الاقتصادية.
ذكريات فترة رئاسته الأولى، التي شهدت ارتفاعًا في أسواق الأسهم وانخفاضًا غير مسبوق في معدلات البطالة، لا تزال حية في أذهان الناخبين. مقارنة بفترة بايدن، التي عانت من تضخم مرتفع وانحدار اقتصادي، بدت هذه الوعود جذابة للناخبين.
لكن يبقى السؤال: هل يستطيع ترامب تكرار النجاح السابق في ظل الظروف الحالية المتقلبة؟ حرب أوكرانيا التي ورطت فيها إدارة بايدن الولايات المتحدة، إضافة إلى التحديات الاقتصادية الدولية المعقدة، تجعل من هذا الهدف أكثر صعوبة مما قد يبدو.
التوقعات تزداد حدة مع وصول ترامب إلى السلطة من جديد، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. العالم يراقب خطوات هذا الرئيس الذي أعلن بشكل صريح عن نيته في إعادة تشكيل النظام الدولي، والتصدي لقوى عالمية صاعدة مثل الصين وروسيا.
من الواضح أن ترامب يسعى لتحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب، مهددًا بإنهاء هيمنة القطب الواحد، في وقت تكتسب فيه تجمعات اقتصادية مثل البريكس زخمًا متزايدًا. هل سيتمكن ترامب من مقاومة هذه التوجهات الدولية؟ أم أن خططه الانعزالية قد تعود لتعزز الفوضى في النظام الدولي؟
وفيما يخص العلاقة مع أوروبا، يسود القلق بين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة. سياسة ترامب الانغلاقية التي تبناها خلال فترة رئاسته الأولى تسببت في توتر العلاقات مع دول الناتو، التي يخشى الكثيرون أن تتفاقم مرة أخرى مع عودته للسلطة.
الرئيس الأمريكي السابق لم يتردد في تحميل الدول الأوروبية تكاليف الحماية العسكرية، مما أثار خلافات عميقة بين واشنطن وحلفائها. هذه المواقف من المرجح أن تستمر أو حتى تتفاقم مع عودته إلى البيت الأبيض.
أما الصين، التي تمثل تحديًا اقتصاديًا مباشرًا للولايات المتحدة، فقد وضعها ترامب في صدارة أولوياته الاقتصادية. توجهاته الحمائية تشمل فرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على السلع المستوردة من بكين، إلى جانب فرض ضرائب جمركية على السلع الأجنبية الأخرى بما فيها السيارات المكسيكية.
هذه السياسات التي يصفها ترامب بأنها تهدف إلى حماية الطبقة العاملة الأمريكية قد تؤدي إلى تصعيد كبير في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مما يهدد بزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي بشكل أكبر.
ردود الأفعال الدولية على فوز ترامب كانت متباينة. في الشرق الأوسط، أبدى بعض القادة ترحيبهم بفوزه، على أمل أن يترجم تصريحاته السابقة حول حل الأزمات في المنطقة إلى أفعال.
على سبيل المثال، دعت حركة حماس الرئيس الأمريكي الجديد إلى التدخل بشكل عاجل لوقف الحرب في غزة، مستفيدة من تصريحاته السابقة بأنه قادر على حل الأزمة خلال ساعات.
بينما على الجانب الآخر، بدا الحلفاء التقليديون لإسرائيل أكثر تفاؤلاً بعودة ترامب، متطلعين إلى تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
أما في طهران، فقد أعلن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني استعداد بلاده لأي مواجهة محتملة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، مما يشير إلى أن التوترات الإقليمية قد تزداد مع وصول ترامب إلى السلطة من جديد.
في روسيا، أبدى الكرملين تحفظه بشأن فوز ترامب، مؤكدًا أن الحكم على الرئيس الجديد سيعتمد على أفعاله، بينما يظل الشك مسيطرًا على موسكو تجاه نوايا الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض تثير تساؤلات كبرى حول مستقبل الولايات المتحدة والعالم. هل ستتمكن إدارته من تحقيق الوعود الكبيرة التي قطعها خلال حملته الانتخابية؟ أم أن حقبته الثانية ستكون مليئة بالتحديات والانقسامات التي قد تعمق الأزمة داخل البلاد وخارجها؟