في خطوة مثيرة للجدل وتعكس تجردًا مقلقًا من القيم الإنسانية، أقر الكنيست الإسرائيلي قانونًا يسمح باعتقال الأطفال الفلسطينيين في مرافق احتجاز خاصة حتى يبلغوا 14 عامًا، ليتم لاحقًا نقلهم إلى معتقلات مع السجناء البالغين. يمثل هذا القرار حلقة جديدة من سلسلة القوانين والممارسات التي تتبناها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، والتي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وتثير القلق لدى المجتمع الدولي.
هذا القانون لا يتناقض فقط مع المعايير الأخلاقية، بل يخرق كذلك العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل، ويضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ جديد للضغط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات. في هذا المقال، سنسلط الضوء على أبعاد هذه الانتهاكات ومخالفتها للقانون الدولي، وكيف يمكن مواجهة إسرائيل قانونيًا للتصدي لمثل هذه السياسات.
أولًا: انتهاك صريح لاتفاقية حقوق الطفل
تعد اتفاقية حقوق الطفل (CRC) التي صادقت عليها إسرائيل عام 1991، الإطار الأهم عالميًا لحماية حقوق الأطفال، وتنص بوضوح على ضرورة حماية الأطفال من العنف والمعاملة القاسية، وتجنب اعتقالهم إلا في حالات استثنائية ولأقصر فترة ممكنة. المادة 37 من هذه الاتفاقية تحظر إخضاع الأطفال للتعذيب أو المعاملة القاسية أو العقوبات التي لا تتناسب مع أعمارهم، كما تفرض على الدول توفير بيئة مناسبة تتيح لهم التطور والنمو.
القانون الإسرائيلي بسجن الأطفال الفلسطينيين حتى سن 14 عامًا، ثم نقلهم لاحقًا إلى سجون البالغين، يعد خرقًا صارخًا لهذه المبادئ. فبدلًا من أن تسعى إسرائيل إلى توفير الحماية لهؤلاء الأطفال، تدفعهم إلى واقع مرير من المعاناة النفسية والجسدية، مما يترك آثارًا طويلة الأمد على حياتهم وقدرتهم على الاندماج في المجتمع مستقبلاً.
ثانيًا: انتهاك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)
إسرائيل، كدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ملزمة بمراعاة الحقوق الأساسية لكل فرد يعيش تحت ولايتها القانونية، بمن فيهم الأطفال الفلسطينيون. تنص المادة 10 من العهد على وجوب معاملة السجناء بكرامة واحترام خصوصيتهم الإنسانية، وعلى فصل القُصّر عن البالغين وتوفير بيئة تتناسب مع أعمارهم واحتياجاتهم.
القانون الذي أقره الكنيست يخرق هذه المبادئ بشكل واضح، حيث يضع الأطفال الفلسطينيين في بيئات احتجاز لا تراعي متطلباتهم الخاصة، ثم ينقلهم بعد سن 14 عامًا إلى سجون البالغين، حيث يواجهون ظروف اعتقال قاسية. هذا الوضع يشكل انتهاكًا خطيرًا لالتزامات إسرائيل تجاه العهد الدولي، ويُظهر عدم احترامها لحقوق السجناء الأحداث.
ثالثًا: مخالفة مبادئ العدالة الدولية الخاصة بالأطفال
أقرت الأمم المتحدة عدة مبادئ لتوجيه العدالة الخاصة بالأطفال، من أبرزها “قواعد بكين” و”قواعد هافانا” التي تدعو الدول إلى اعتماد تدابير غير احتجازية للأطفال، وترفض الحبس كعقوبة للأطفال إلا في حالات نادرة. هذه المبادئ تهدف إلى حماية الأطفال وتعزيز عملية إعادة التأهيل بدلاً من العقاب.
القانون الإسرائيلي بإمكانية احتجاز الأطفال الفلسطينيين يُخالف بوضوح هذه المبادئ، ويُظهر تجاهلًا للأبعاد الإنسانية في التعامل مع الأحداث. فبدلًا من تبني سياسة تهدف إلى إعادة تأهيل الأطفال الفلسطينيين ودمجهم في المجتمع، يُحكم عليهم بالاعتقال في سن مبكرة، مما يعمق معاناتهم النفسية والاجتماعية ويؤدي إلى تدمير مستقبلهم.
كيف يمكن مواجهة إسرائيل قانونيًا؟
تحتاج مواجهة هذه الانتهاكات الإسرائيلية إلى آليات قانونية متعددة على المستويين الدولي والإقليمي، بما في ذلك:
1. التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC): باعتبار هذه الممارسات ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، يمكن تقديم طلبات إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر في هذه الانتهاكات. سبق وأن بدأت المحكمة تحقيقات أولية حول جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وقد يشمل هذا التحقيق الجرائم ضد الأطفال.
2. اللجوء إلى لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة: يمكن تقديم شكاوى رسمية من قبل الدول والمنظمات الحقوقية إلى لجنة حقوق الطفل للتحقيق في هذه الانتهاكات. يُمكن أن تصدر اللجنة توصيات أو تقارير تدين ممارسات إسرائيل وتحث المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ضغط مناسبة.
3. الضغط عبر آليات الأمم المتحدة الأخرى: يمكن استخدام آليات مثل مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة لاستصدار قرارات تدين انتهاكات إسرائيل، بما في ذلك اعتماد مقررين خاصين حول حقوق الأطفال في المناطق المتضررة من النزاع.
4. إشراك المجتمع المدني الدولي: لعبت المنظمات الحقوقية الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، دورًا مهمًا في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية. دعم وتوسيع هذه الجهود لتشمل تحقيقات دقيقة وبيانات تحليلية سيساهم في رفع مستوى الوعي العالمي، والضغط على الحكومات لاتخاذ مواقف حازمة.
5. التعاون مع دول أخرى للضغط الدبلوماسي: يتعين على الدول العربية والإسلامية والدول التي تدعم حقوق الإنسان استخدام نفوذها في المحافل الدولية لممارسة ضغوط دبلوماسية وسياسية على إسرائيل، وإيصال رسائل واضحة إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لرفض مثل هذه القوانين غير الإنسانية.
وفي الختام، قرار الكنيست الإسرائيلي الذي يجيز احتجاز الأطفال الفلسطينيين يُعد وصمة عار على جبين الإنسانية، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي ولحقوق الإنسان. من الضروري أن يعمل المجتمع الدولي على مواجهة هذه الانتهاكات عبر القنوات القانونية والدبلوماسية المتاحة، لتأكيد أن حقوق الأطفال الفلسطينيين ليست استثناءً من حقوق الإنسان، وأن العدالة يجب أن تسود فوق كل اعتبار سياسي، ستبقى هذه المعركة القانونية طويلة وشاقة، ولكنها ضرورية لضمان محاسبة الدول على أفعالها وتحقيق العدالة للأطفال الذين يقعون ضحايا النزاعات السياسية.
المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي