تقاريرعربي ودولى

غضب شعبي عارم ومظاهرات غير مسبوقة في صربيا بعد كارثة انهيار محطة نوفي ساد

تصاعدت الأزمة في شمال صربيا إلى مستوى كارثي إثر انهيار سقف محطة القطارات في مدينة نوفي ساد والذي أودى بحياة 14 شخصًا في حادث مروع يوم 1 نوفمبر.

هذه الحادثة أشعلت موجة هائلة من الغضب بين المواطنين الذين خرجوا بالآلاف إلى الشوارع وتجمعوا أمام مبنى الإدارة المحلية للمدينة مطالبين بإجابات سريعة ومحاسبة شاملة لكل من تسبب في هذه الكارثة البشعة.

لم تقتصر مطالب المتظاهرين على إقالة رئيس الوزراء ميلوش فوتشيتشيفيتش، بل امتدت لتشمل عمدة مدينة نوفي ساد ميلان جوريتش، حيث رشق المتظاهرون مبنى إدارة المدينة بالحجارة وزجاجات الصبغة، مطالبين باعتقال المسؤولين الفعليين عن هذا الحادث المؤلم، مما يعكس حجم الغضب الشعبي المتزايد.

وكان للمتظاهرين كذلك مطالب واضحة حول الشفافية، إذ طالبوا بالكشف عن جميع تفاصيل العقد الموقع مع الشركات الصينية التي كانت مسؤولة عن بناء المحطة المنهارة، حيث تتزايد الشكوك حول وجود فساد أو تقصير في معايير البناء التي تسببت في هذه المأساة.

وبينما كانت الاحتجاجات تعم الشوارع، لم تقتصر المشاركة على المواطنين العاديين بل انضم إليهم نشطاء المعارضة الذين استغلوا الفرصة للمطالبة برحيل الحكومة بأكملها، محملين القيادة الصربية مسؤولية الفشل في إدارة الدولة على مستوى البنية التحتية وسوء التعامل مع الكوارث المتتالية.

ومع تصاعد الأوضاع وتزايد أعداد المحتجين، بادرت الشرطة إلى تعزيز وجودها حول مبنى الإدارة المحلية، لكنها تجنبت حتى الآن التدخل المباشر لتفريق التظاهرات، مما قد يوحي بأنها تنتظر الأوامر العليا أو تحاول تجنب مواجهة دامية قد تزيد من تفاقم الأوضاع.

وفي هذه الأثناء، تراقب العاصمة بلغراد الأحداث عن كثب حيث من المتوقع أن تشهد العاصمة نفسها مظاهرات مماثلة خلال الأيام القليلة المقبلة، مما يزيد من التوتر السياسي في البلاد.

هذه الاحتجاجات تأتي في سياق تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في صربيا، حيث يشعر الكثيرون بالغضب من سياسات الحكومة الحالية وما يعتبرونه فساداً مستشرياً وسوء إدارة للمشاريع الوطنية الكبرى.

الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لم يقف مكتوف الأيدي تجاه هذه الأزمة حيث سارع بالتوجه إلى مدينة نوفي ساد مخاطبًا المتظاهرين في محاولة لتهدئة الأوضاع.

في خطابه، تعهد فوتشيتش بمحاسبة جميع المسؤولين المتورطين في هذا الحادث المأساوي مؤكداً أن العدالة ستأخذ مجراها وأن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لتقديم العون لعائلات الضحايا الذين فقدوا حياتهم في انهيار السقف.

ورغم هذه الوعود، بدا واضحًا أن المتظاهرين لم يكتفوا بتلك التصريحات حيث واصلوا الضغط من أجل استقالات فعلية وتحقيقات شاملة.

وفي تصعيد جديد للتوترات، وجه الرئيس فوتشيتش تحذيرًا شديد اللهجة للمتورطين في أعمال الشغب التي صاحبت الاحتجاجات، مؤكدًا أن العنف لن يكون مقبولًا تحت أي ظرف من الظروف.

هذا التحذير لم يلق استجابة تذكر من قبل المحتجين الذين استمروا في احتجاجاتهم بشراسة، في حين تبقى العين على التطورات القادمة وما إذا كانت الحكومة ستتخذ خطوات أكثر صرامة لتفريق المظاهرات أو ستسعى للتفاوض وتهدئة الأوضاع.

ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه، فالتقارير تشير إلى أن صربيا شهدت مؤخرًا سلسلة من الحوادث المرتبطة بالبنية التحتية، مما يثير التساؤلات حول قدرة الحكومة على إدارة المشاريع الكبرى وضمان سلامة المواطنين.

انهيار هيكل خرساني لمبنى محطة القطارات في نوفي ساد ليس سوى جزء من سلسلة من الإخفاقات التي تواجهها الدولة، وهو ما دفع البعض إلى اتهام القيادة بالتقصير والفساد.

الرئيس الصربي كان قد أشار بشكل صريح إلى أن هذه الحادثة لن تمر مرور الكرام، وأعلن فور وقوعها أن ذلك سيؤدي إلى إقالة عدد كبير من المسؤولين، حيث جاءت استقالة وزير البناء والنقل والبنية التحتية غوران فيسيتش كأول خطوة في هذا السياق.

إلا أن استقالة الوزير لم تهدئ من غضب المحتجين الذين اعتبروها مجرد بداية يجب أن تتبعها المزيد من الإجراءات الجذرية لمحاسبة جميع المتورطين في هذه الكارثة.

الحكومة الصربية تبدو في موقف حرج للغاية حيث تواجه ضغوطاً من الشارع ومن المعارضة على حد سواء، إضافة إلى مخاوف متزايدة من أن يؤدي استمرار الاحتجاجات إلى زعزعة الاستقرار السياسي في البلاد بشكل أعمق.

ومع تصاعد الدعوات لرحيل كامل القيادة السياسية، يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن الحكومة من احتواء الأزمة واستعادة ثقة المواطنين أم أن هذه الاحتجاجات ستقود إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي الصربي؟

في ظل هذه الأجواء المشحونة والضغوط المتزايدة، يبدو أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مصير القيادة الحالية ومدى قدرتها على تجاوز هذه الأزمة الكبرى التي قد تؤدي إلى تداعيات أوسع على مستوى البلاد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى