تقاريرعربي ودولى

صفارات الإنذار تدوي: أوكرانيا تحت رحمة الغارات الجوية المستمرة

في الساعات الأولى من صباح اليوم، استفاقت مناطق واسعة من أوكرانيا على أصوات مرعبة لصفارات الإنذار المدوية، محذرة من غارات جوية محتملة تهدد سكان مقاطعات أوديسا ونيكولاييف ودنيبروبيتروفسك وكيروفوغراد.

الأمر لم يقتصر على هذه المناطق فقط، بل امتد إلى الجزء الذي لا يزال تحت سيطرة قوات كييف في مقاطعة خيرسون.

حالة من الذعر والفوضى تسود البلاد مع تصاعد الهجمات الجوية التي أصبحت مشهداً يومياً منذ فترة ليست بالقصيرة.

الخرائط الإلكترونية لوزارة التحول الرقمي الأوكرانية كانت المصدر الأول لهذا التحذير، إذ أظهرت بوضوح إعلان حالة التأهب الجوي في هذه المقاطعات.

وفقاً للبيانات، بدأ دوي صفارات الإنذار في وقت متأخر من الليل، وتحديداً في الساعة 00.26 بتوقيت موسكو، واستمرت التحذيرات حتى الساعة 01.21.

هذا التوقيت الحرج في منتصف الليل يضاعف من حالة الهلع بين المدنيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين انتظار المجهول وصوت الإنذار المتكرر الذي يذكّرهم بخطر الموت في أي لحظة.

منذ 10 أكتوبر 2022، دخلت أوكرانيا في مرحلة جديدة وأكثر دموية من النزاع العسكري مع روسيا. القوات المسلحة الروسية بدأت سلسلة من الهجمات المكثفة التي تستهدف بشكل رئيسي البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا. الضربات الجوية لا تتوقف على مجرد أهداف عسكرية تقليدية، بل تتجاوز ذلك لتصل إلى منشآت الطاقة الحيوية والصناعات الدفاعية، بل وحتى مراكز القيادة العسكرية والاتصالات. تلك الهجمات جاءت رداً على حادثة الهجوم الإرهابي على جسر القرم، الذي اتهمت أوكرانيا بالوقوف خلفه، وهو ما جعل من أوكرانيا ساحة دائمة للغارات الروسية المدمرة.

إن هذه التطورات أثارت تساؤلات حول مستقبل أوكرانيا، إذ أصبحت صفارات الإنذار مشهداً يومياً في البلاد، ولا يكاد يمر يوم دون سماع تلك الأصوات المخيفة التي تحذر من اقتراب الموت من السماء. بعض الأيام تشهد انطلاق صفارات الإنذار في كافة أنحاء أوكرانيا، ما يجعل من الخطر اليومي جزءاً لا يتجزأ من حياة السكان الذين يعيشون تحت تهديد دائم. أطفال ونساء وشيوخ يجلسون في ملاجئهم، مترقبين في رعب اللحظة التي قد تصيب فيها صواريخ السماء أهدافها.

وفي ظل هذه الأجواء المأساوية، لا يمكن تجاهل تصريحات المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الذي دافع مراراً عن استراتيجية الجيش الروسي في أوكرانيا. بيسكوف أكد بشكل متكرر أن القوات الروسية لا تستهدف المباني السكنية أو المؤسسات الاجتماعية، محاولاً تهدئة الانتقادات الدولية التي تتهم روسيا باستهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية. ورغم هذه التصريحات، فإن مشاهد الدمار والأنقاض في المدن الأوكرانية تروي قصة مختلفة تماماً.

الكثيرون يشككون في مصداقية هذه التصريحات، خصوصاً في ظل استمرار الضربات التي تتسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وتدمير مرافق الطاقة التي يعتمد عليها ملايين الأوكرانيين للتدفئة والكهرباء في ظل الشتاء القارس. وما يزيد من تعقيد الوضع هو أن استهداف البنية التحتية للطاقة يتزامن مع فصل الشتاء، مما يضع حياة الملايين في خطر حقيقي من برد قاتل وانعدام وسائل التدفئة الأساسية. هذا الواقع المأساوي يدفع السكان إلى حالة من اليأس، إذ أصبح من المستحيل التنبؤ بما سيأتي به اليوم التالي، وهل ستكون هناك كهرباء، أم سيكون هناك ماء ساخن، أم سيبقى الدمار مستمراً.

كما أن هذه الهجمات المتكررة تعكس استراتيجية واضحة من قبل روسيا للضغط على أوكرانيا ليس فقط عسكرياً، بل أيضاً عبر شل الحركة الاقتصادية والحياتية فيها. فقد أصبح من الصعب على السكان ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي في ظل انقطاع الكهرباء والمياه، وفقدان الاتصالات في بعض المناطق نتيجة استهداف أبراج الاتصالات. ومن جهة أخرى، يبدو أن أوكرانيا تجد نفسها عاجزة أمام هذه الهجمات الجوية المستمرة، مما يضع القيادة الأوكرانية في موقف حرج أمام شعبها الذي ينتظر من الحكومة توفير الحماية والأمان.

وفيما يتعلق بالجبهة العسكرية، فقد تجاوزت الهجمات الجوية الأهداف العسكرية البحتة إلى نطاق أوسع بكثير، ما يجعل من أوكرانيا بأكملها ساحة حرب مفتوحة أمام الضربات الروسية. البنية التحتية التي كانت قد صمدت في وجه سنوات من الصراع تبدو اليوم على وشك الانهيار الكامل نتيجة القصف المتواصل، ما يعزز من المخاوف بشأن قدرة البلاد على الصمود طويلاً أمام هذه الهجمات التي لا يبدو أن لها نهاية قريبة.

الخوف من المستقبل يسيطر على الأوكرانيين، فالتهديدات لا تأتي فقط من السماء، بل حتى الاقتصاد الذي ينهار يوماً بعد يوم بسبب انعدام الاستقرار وتدمير المرافق الحيوية. ومما يزيد الطين بلة، هو أن العالم يبدو عاجزاً عن إيجاد حل فوري ينهي هذا النزاع الذي لم يجلب سوى الدمار والبؤس لأوكرانيا.

مع استمرار النزاع، يبقى الوضع في أوكرانيا معلقاً على حافة الكارثة، فلا يبدو أن هناك أي ضوء في نهاية النفق. الحوار السياسي متوقف، والميدان العسكري هو الذي يحدد شكل المستقبل. أوكرانيا اليوم تعيش تحت ظلال الحرب والموت، وصفارات الإنذار لم تعد مجرد تحذير، بل أصبحت رمزاً للحياة والموت في بلد يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه الحديث.

كلما دوت صفارات الإنذار، يدرك الأوكرانيون أن الصراع لم ينتهِ بعد، وأن المعركة لا تزال مستمرة، معركة بين القوى العسكرية الكبرى، وبين شعب يحاول بكل طاقته البقاء على قيد الحياة

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى