يشهد سوق الذهب في مصر حالة من الارتباك والفوضى غير المسبوقة، بينما تقف الحكومة عاجزة أمام الأزمة المتفاقمة، مما يثير التساؤلات حول الدور الذي تلعبه السلطات في حماية السوق والمواطنين من تداعيات هذا الاضطراب.
لقد دفعت الزيادات المتتالية في أسعار الذهب التجار إلى اتخاذ قرارات حاسمة وفوضوية، حيث فضل الكثير منهم وقف عمليات البيع والاكتفاء بالشراء فقط، في محاولة للتحوط من التقلبات الحادة التي قد تدفع بالأسعار إلى مستويات جنونية.
ومع هذا التوتر، يبدو أن الحكومة المصرية تتقاعس عن القيام بأي إجراءات فعالة لاحتواء الأزمة أو الحد من تأثيراتها المدمرة على الاقتصاد والمواطنين.
فساد وتقاعس الحكومة المصرية في مواجهة الأزمة
بينما يعاني المواطن المصري من ارتفاع الأسعار بشكل مستمر، يبدو أن الحكومة غائبة تمامًا عن المشهد، غير قادرة على اتخاذ أي خطوات ملموسة لمعالجة الأزمة.
العديد من تجار الذهب في السوق قرروا وقف البيع بشكل كامل، مكتفين فقط بعمليات الشراء، وذلك بسبب المخاوف المتزايدة من تحريك سعر الدولار وتقييم الذهب على أساس دولار قد يصل إلى أكثر من 50 جنيهًا.
في ظل هذه التوقعات الكارثية، يستمر التجار في الاحتفاظ بأرصدتهم من الذهب، خوفًا من الخسائر الكبيرة التي قد تنتج عن بيعها بالأسعار الحالية، فيما يبدو وكأن الحكومة ليست على علم بهذه التطورات الخطيرة أو تتعمد التغاضي عنها.
هذا المشهد الفوضوي يوضح بجلاء أن السلطات النقدية في مصر، وعلى رأسها وزارة المالية والبنك المركزي، قد فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. ترك السوق بلا تنظيم أو رقابة حكومية فعالة أدى إلى تفاقم الأمور، وزاد من حدة المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد المصري.
إن عدم وجود سياسات واضحة للتعامل مع الارتفاع المستمر في سعر الذهب والدولار يجعل الأزمة تتفاقم يومًا بعد يوم، في حين يستمر التجار والمواطنون في تحمل العبء الكامل للسياسات الفاشلة للحكومة.
البيع الطفيف واستغلال المواطن البسيط
العمليات الطفيفة من البيع التي تجري حاليًا في السوق تكاد تكون بعيدة تمامًا عن الأرصدة الأساسية لتجار الذهب، حيث يعتمدون فقط على ما يتم بيعه من قبل المواطنين الذين يضطرون للتفريط في ما يمتلكونه من ذهب، ربما بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم المصريين. في ظل هذه الظروف، يبدو أن الحكومة تترك المواطن البسيط وحده ليواجه مصيره في سوق الذهب المتقلب، دون أي دعم أو حماية من الدولة.
هذا الاستغلال الواضح لمحدودي الدخل، الذين يلجؤون إلى بيع ممتلكاتهم من الذهب تحت وطأة الأزمات المالية، يُعد صورة من صور الفساد المستشري في النظام. تُظهر هذه الأزمة كيف أن الحكومة المصرية غير قادرة على فرض رقابة على التجار أو تقديم بدائل حقيقية للمواطنين، مما يترك الباب مفتوحًا للتلاعب بالأسعار واستغلال ضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
الطلب المتزايد يفاقم الأزمة
مع تحرك سعر الدولار في البنوك وزيادة المخاوف من استمراره في الارتفاع، شهد سوق الذهب في مصر طلبًا متزايدًا بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة. المواطنون الذين يشعرون بعدم الاستقرار الاقتصادي يلجأون إلى شراء الذهب كملاذ آمن، مما يزيد من الضغط على السوق. وفي ظل نقص المعروض من الذهب، يزداد الوضع سوءًا، حيث يفضل تجار الخام الاحتفاظ بأرصدتهم وعدم التفريط فيها بالأسعار الحالية، خوفًا من الخسائر الكبيرة التي قد تلحق بهم في المستقبل القريب.
هذه الأزمة تعكس بوضوح كيف أن الحكومة المصرية تقف متفرجة أمام تدهور الأوضاع الاقتصادية، دون اتخاذ أي إجراءات ملموسة لتوفير الذهب بالسوق أو تنظيم العمليات التجارية التي تتم داخله. ترك الأمور للتجار ليفعلوا ما يحلو لهم في ظل غياب الرقابة الحكومية أدى إلى زيادة الفجوة بين العرض والطلب، مما أدى في النهاية إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق.
زيادات غير منطقية في الأسعار
خلال يوم واحد فقط، ارتفع سعر الذهب في السوق المحلية بمقدار 55 جنيهًا للجرام، حيث افتتح جرام الذهب عيار 21 تعاملاته عند 3770 جنيهًا، واختتم اليوم نفسه عند 3825 جنيهًا، بينما شهدت الأوقية تذبذبًا ملحوظًا، حيث بدأت التعاملات عند مستوى 2736 دولارًا، ولامست مستوى 2750 دولارًا، قبل أن تعود إلى 2736 دولارًا مع نهاية اليوم. هذه الزيادات الكبيرة والمفاجئة في الأسعار تثير تساؤلات حول مدى شفافية السوق ومدى تدخل الحكومة لتنظيمه، إن كان هناك تدخل من الأساس.
الحكومة صامتة أمام الفوضى الاقتصادية
في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون والتجار من تبعات الأزمة الاقتصادية التي تضرب سوق الذهب، يبدو أن الحكومة المصرية غارقة في الصمت. غياب أي تدخل حكومي لتنظيم السوق أو السيطرة على سعر الدولار يزيد من التوتر والمخاوف لدى التجار والمواطنين على حد سواء. السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى متى سيستمر هذا الصمت الحكومي؟ هل تنتظر الحكومة حتى ينهار السوق تمامًا أم أنها متواطئة في هذه الأزمة من أجل تحقيق مصالح معينة؟
بكل وضوح، الأزمة الحالية في سوق الذهب تكشف حجم الفساد والتقصير الحكومي في مصر. المواطنون يُتركون لمصيرهم في ظل فوضى اقتصادية عارمة، والحكومة تكتفي بمراقبة المشهد دون أي تدخل حقيقي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.