هاريس في جامعة هاورد: رسائل انتخابية بين التفوق والخيبة
في مشهد انتخابي مليء بالتوتر والتكهنات المقلقة، اختارت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكية السابقة، أن تحتفل بمسارها الانتخابي في أمسيتها الخاصة داخل جامعة هاورد في العاصمة واشنطن، تلك الجامعة التي لطالما كانت رمزًا للمجتمع الأسود في الولايات المتحدة.
لكن هل كانت تلك الخطوة مجرد اختيار عادي أم أنها جاءت كرسالة سياسية موجهة؟ وما الذي يعنيه هذا الاختيار في لحظة حاسمة من السباق الانتخابي؟ في ظل الوضع الانتخابي المتقلب، تُطرح هذه الأسئلة، ويبدو أن الإجابة لها أبعاد تتجاوز الحدث ذاته.
منذ لحظة بدء الانتخابات الرئاسية، أظهرت النتائج الأولية صورة متباينة. في ولاية جورجيا، التي تُعتبر من الولايات الحاسمة في هذا السباق، أعلنت مؤسسة “إديسون ريسيرش” أن دونالد ترامب، الرئيس السابق، حصل على 55.4% من أصوات الناخبين، بينما حصدت كامالا هاريس 44%.
مع اقتراب فرز الأصوات بنسبة 50% في الولاية، بدأ يتضح أن ترامب يتصدر المشهد في هذه الولاية الحاسمة، في الوقت الذي تواصل فيه هاريس، بصفته مرشحة الحزب الديمقراطي، محاولاتها لتحقيق التفوق في ولايات أخرى.
وفي صباح اليوم التالي، كانت نتائج الانتخابات واضحة بالنسبة لكثير من الولايات الأخرى، فقد تمكن ترامب من الظفر بخمس ولايات حاسمة. فلوريدا، ميسوري، أوكلاهوما، ألاباما، وتينيسي، كلها أضافت إلى رصيد الجمهوريين الذين كانوا يسعون لتوسيع قاعدة الدعم الشعبية.
في المقابل، حصدت كامالا هاريس فوزًا في ولايتين فقط، ماريلاند وماساتشوستس، بالإضافة إلى العاصمة الفدرالية واشنطن. هذه النتائج، على الرغم من كونها مهمة بالنسبة للمرشحة الديمقراطية، إلا أنها لم تكن كافية لتغيير مسار السباق بشكل جذري في تلك اللحظة.
ومع تصاعد وتيرة الأحداث، تزداد الهوة بين المرشحين. فحتى مع تحصيل هاريس لعدد من الأصوات في ولايات مثل إيلينوي وكونيكتيكت ونيوجيرسي، يبقى ترامب متقدمًا في المعركة.
أرقام واضحة ومباشرة تُظهر تقدم ترامب في مجمل الولايات التي كانت تعتبر مناطق سيطرة تقليدية بالنسبة للجمهوريين، ويضاف إلى ذلك أن 90 من كبار الناخبين قد أكدوا ولاءهم لترامب حتى هذه اللحظة، مقارنة بـ27 فقط لصالح هاريس. وبالطبع، يظل السباق مفتوحًا، لكن من يظفر بـ270 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي هو من سينقلب الميزان لصالحه.
والسؤال الكبير الذي يظل يطرح نفسه في هذا السياق: لماذا اختارت هاريس جامعة هاورد لتكون المكان الذي تحتفل فيه بتلك اللحظات الحاسمة؟ إن جامعة هاورد ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي رمز تاريخي للنضال ضد العنصرية، ولها جذور عميقة في المجتمع الأمريكي الأسود.
ومن الواضح أن هاريس، التي تحمل بين يديها مشهدًا انتخابيًا مليئًا بالتحديات، كانت تهدف إلى إرسال رسالة قوية لداعميها من المجتمع الأسود والفئات المهمشة. كانت تلك أمسية انتخابية، ولكنها في ذات الوقت كانت بمثابة إعلان عن التزامها بمواصلة الكفاح من أجل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
ولكن وسط الأرقام المتغيرة سريعًا والنتائج المتناقضة، كان المشهد لا يزال يكتنفه الغموض. حيث أظهرت نتائج الولايات المتأرجحة مثل نورث كارولينا، التي تصدرت التوقعات بفوز ترامب بنسبة 45.9% مقابل 52.6% لصالح هاريس، أن النتيجة في هذه المعركة قد تكون حاسمة في تحديد من سيحسم السباق في النهاية.
الأرقام المتغيرة سريعًا، والولاءات المتبدلة، تجعل من هذه الانتخابات واحدة من أصعب المعارك في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث.
وفي النهاية، إذا كانت هاريس قد اختارت جامعة هاورد مكانًا للاحتفال بآمالها، فإن هذا الاختيار لا يتوقف عند كونه مجرد موقع جغرافي، بل هو رسالة سياسية تحمل في طياتها الكثير من الرغبات والتطلعات.
إذ إن فوزها في الولايات الكبرى التي كانت تعد جزءًا من معقل الديمقراطيين لم يكن كافيًا لكسر هيمنة ترامب، وهذا يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل التوازنات السياسية في البلاد.
ما الذي سيحدث في الأيام القادمة؟ هل سيتصاعد النزال إلى درجات غير مسبوقة؟ أم أن ترامب سيواصل مسيرته نحو الانتصار؟ لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحدث.
ولكن الأمر المؤكد أن هذا السباق الانتخابي أصبح أكبر من مجرد معركة سياسية، بل تحول إلى اختبار حقيقي للهوية الأمريكية في هذه اللحظة الفارقة.