في حادثة مأساوية جديدة تعكس استمرار تقاعس الحكومة المصرية عن تأمين حياة الجنود وضباط الجيش، أعلن المتحدث العسكري العقيد غريب عبدالحافظ غريب عن استشهاد ضابطين من القوات الجوية إثر تحطم مروحية هليكوبتر يوم الثلاثاء في منطقة الشلوفة أثناء تنفيذ نشاط تدريبي.
الحادث لم يكن مجرد نتيجة لظروف عابرة، بل هو تجسيد آخر لواقع مرير يكشف عن فساد الإدارة العسكرية التي تقودها الحكومة المصرية.
استشهاد الضابطين: فشل واضح وفساد مستمر
العقيد غريب عبدالحافظ غريب أشار إلى أن سبب الحادث هو “عطل فني” في المروحية، وهو التبرير المعتاد الذي اعتادت السلطات العسكرية تقديمه كلما كانت الحقيقة أفظع من أن تُقال.
ماذا يعني “عطل فني” في مروحية عسكرية؟ وهل يمكن اعتبار هذا سببًا مقبولًا لقتل اثنين من الضباط الشجعان الذين بذلوا حياتهم في خدمة وطنهم؟
هذا الحادث الكارثي ليس مجرد حادث فردي بل هو جزء من سلسلة طويلة من الأخطاء المميتة التي لا تجد أي حساب أو تحقيق حقيقي من قبل الحكومة.
في الوقت نفسه، تابع المتحدث العسكري قائلاً إن “الجهات المختصة” تتخذ الإجراءات اللازمة، وهي نفس الكلمات التي اعتاد المواطنون سماعها بعد كل كارثة مشابهة. لا محاسبة، لا تحقيقات جادة، لا إجراءات حقيقية. مجرد وعود فارغة لا تُسمن ولا تغني من جوع.
حادثة مروعة تضاف إلى سلسلة طويلة من المآسي
في سياق متصل، إذا أردنا الحديث عن هذا الحادث في ضوء سلسلة الحوادث التي تعرض لها الجيش المصري في الفترة الأخيرة، يجب أن نذكر حادثة أخرى وقعت في سبتمبر الماضي، عندما توفي أربعة جنود من سلاح المظلات أثناء تدريباتهم العسكرية بسبب عدم فتح مظلاتهم أثناء القفز.
هذه الحادثة ليست فقط مأساة بشرية، بل هي فضيحة أخرى تكشف عن الفشل الذريع في التدريب والتأهيل والرقابة على القوات المسلحة.
الحادث الذي وقع في أثناء الاستعدادات لعرض حفل التخرج كان مفجعًا جدًا، حيث انتشرت مشاهد جنود يتساقطون من السماء في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه كابوس.
الكارثة لم تقتصر على وقوع ضحايا فقط، بل زادت من الجدل الذي أثير حول السبب الحقيقي للوفاة. البعض شكك في الرواية الرسمية، ما يعكس غياب الثقة الكامل في أجهزة الدولة التي لم تلتزم بتوضيح الحقائق.
فساد الحكومة العسكرية: الجهل والإهمال على حساب حياة الجنود
ما يثير الدهشة في هذا السياق هو تعامل الحكومة المصرية مع هذه الحوادث التي تتوالى بشكل متسارع، دون أي رد فعل حاسم. الحكومة والقيادة العسكرية لا تكتفي بالسكوت عن الأخطاء المميتة، بل تسعى دائمًا لتبرير كل كارثة تحت شعار “الظروف”، دون أن يتحمل أي مسؤول حقيقي عواقب هذه الأخطاء.
هل يعقل أن يكون سبب وفاة ضابطين شابين هو “عطل فني”؟ وهل يمكننا أن نقبل بهذا التفسير عندما نعلم أن الجيش المصري يمتلك ميزانية ضخمة وأسطولًا من الطائرات والمعدات العسكرية؟ الحقيقة واضحة، ولا يمكن تجاهلها: هناك فساد إداري رهيب، وسوء إدارة يقود إلى إهمال متكرر في تجهيز وصيانة المعدات العسكرية، مما يعرض حياة الجنود للخطر.
الضابطان اللذان استشهدا في حادثة الشلوفة ليسا أول من يدفع حياته ثمنًا لهذا الإهمال المستمر. الجنود الأربعة الذين ماتوا في حادث المظلات في سبتمبر هم أيضًا ضحايا لسوء التدريب والتجهيز.
العيب ليس في الجنود الذين يضحون بأرواحهم في ميادين القتال أو أثناء التدريبات، بل في قيادة لا تكترث بالتحقيق في الحوادث ولا تبذل أي جهد لتحسين السلامة والجاهزية.
متى يتحمل المسؤولون عواقب أفعالهم؟
الحكومة المصرية لم تعلن حتى الآن عن أي خطوات حقيقية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الحوادث المتكررة. لم نسمع عن أي تحقيقات شفافة، ولم نر أي قرارات إصلاحية تتعلق بتحسين نظام التدريب أو صيانة المعدات العسكرية.
ما يحدث ببساطة هو محاولة لتغطية الحقائق والتهرب من المسؤولية. إذا كان هناك تحقيق، فلماذا لا نسمع عن نتائجه؟ وإذا كانت هناك محاسبة، لماذا لا نرى أي تغيير ملموس على الأرض؟
إن المتابع للأحداث يجد نفسه أمام مشهد مأساوي يعكس الصورة الحقيقية لحالة الفساد المستشري في الجهاز العسكري الذي تقوده الحكومة المصرية.
استمرار الحوادث القاتلة في صفوف الجيش نتيجة تقاعس الحكومة عن وضع خطط صارمة للأمن والسلامة هو نتيجة حتمية لهذا الفساد. والحديث عن “الجهات المختصة” و”الإجراءات اللازمة” لا يعدو كونه محاولة فاشلة للتغطية على الفشل المتواصل.
الحكومة العسكرية: مسؤولية دائمة عن الدماء التي تسفك
إن ما يحدث من تكرار للحوادث القاتلة لم يكن وليد الصدفة. هو ثمرة فساد الحكومة المصرية في التعامل مع الجيش، وهو دلالة على أن هناك إهمالًا جسيمًا في كيفية إدارة القوات المسلحة ومتابعة أوضاعها.
المأساة مستمرة والضحايا يتزايدون، لكن لا توجد أي إجراءات حقيقية، ولا حتى استجابة فعالة من الجهات الحكومية أو العسكرية. الضحايا من الجنود والضباط أصبحوا أرقامًا تتضاف إلى سجل طويل من المآسي التي لا تجد من يوقفها.