تشتعل الأجواء داخل المجتمع القبطي بسبب الأحداث المتسارعة التي تتعلق بأزمة الأنبا أبانوب أسقف عام المقطم مما جعل كل التوقعات تخرج عن المألوف وتصنع واقعًا جديدًا بين جبهتين متعارضين يتصارعان حول هوية الكنيسة وقيمها الأساسية
حيث انقسم الأقباط إلى جبهتين متناحرتين فريق يساند البابا تواضروس ويؤيد قراراته بتجريد الأسقف من منصبه بينما يتمسك الفريق الآخر بمبادئهم الأرثوذكسية الراسخة رافضين تنفيذ تلك القرارات الجريئة
تأزمت الأوضاع بشكل أكبر حينما أصر البابا على موقفه الثابت رغم كل المحاولات التي قام بها شعب المقطم لإيجاد حل وسط فقد أثارت تصريحات البابا الأخير بشأن ترحيبه بالمناقشات مع عائلات المقطم حفيظة الكثيرين
فقد سادت حالة من عدم الثقة بعدما علموا بقرار تعيين قس شاب يميل إلى أفكار المعارضة الأرثوذكسية وكيلاً على إيبارشية المقطم بدلًا من الأنبا أبانوب وهو ما اعتبره الأقباط بمثابة استفزاز لهم وعدم مراعاة لمشاعرهم
الواقع المأساوي يكشف عن أن غالبية الأقباط في المقطم متمسكون بشدة ببقاء الأنبا أبانوب إذ يرونه شخصًا من بينهم يشعر بمعاناتهم ويدرك مشكلاتهم
فقد حصل على تزكية من الأراخنة وجهاء الإيبارشية الأمر الذي يعكس مدى شعبيته حيث استطاع أن يزور نحو 1800 أسرة خلال فترة خدمته وعمل بلا كلل من أجل تحسين أوضاعهم وهذا ما جعله رمزًا لمجتمع المقطم القائم على الترابط والمحبة
في حى المقطم تجمع نحو 50 قبطياً من جميع الأعمار ليبدأوا اعتصامًا مفتوحًا أمام قلاية الأنبا أبانوب بدير سمعان الخراز محاولين منع الأسقف من الرحيل عنهم ومنع أي بديل عنه من أن يأتي للدير وذلك بعدما تأكدوا من أن البابا لن يقبل أي وساطات وأنه عازم على تنفيذ قراره بنقل الأنبا أبانوب إلى دير الأنبا أنطونيوس في البحر الأحمر مما زاد من احتقان الأوضاع بينهم
الأقباط في المقطم يرون أن هذه الأزمة تتعلق بكرامتهم وهويتهم فالتقاليد والعادات المتأصلة في قلوبهم منذ أجيال لن تسمح لأحد بتغييرها مهما كانت السلطة التي تسعى لتلك التغييرات هذا الرفض القاطع هو نتيجة لإيمانهم الراسخ بأن التقاليد لا يمكن كسرها من قبل أي جهة كانت وهو ما جعلهم يصرون على موقفهم ويرفضون العودة إلى الوراء فقد تراجعت مساعي بعض الحكماء لتسوية الأمور مع المحتجين الذين أبدوا تصميمًا واضحًا على موقفهم
أفاد مصدر كنسي بأن القمص بطرس رشدي يتزعم حملة منظمة للضغط على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من أجل إبعاد الأنبا أبانوب عن الإيبارشية إذ يعتبرونه حجر عثرة أمام طموحاتهم الرامية إلى إعادة تشكيل الهوية الكنسية من خلال تحالفات مع جماعات بروتستانتية تنشط في المنطقة والتي كان الأنبا أبانوب قد اتخذ ضدها مواقف قوية في عظاته حيث كان يعتبرها تهديدًا لمبادئ الكنيسة
الأزمة الحالية ليست مجرد صراع على السلطة بل هي تعبير عن صراع أعمق يتعلق بالهوية والانتماء فالأقباط يعتبرون الأنبا أبانوب رمزًا للكنيسة الأرثوذكسية التقليدية التي تنظر إلى القيم والمبادئ كعوامل أساسية للتماسك الاجتماعي الأمر الذي يجعلهم يتحدون ضد أي محاولة لتقويض تلك الأسس ورفض التدخلات التي تهدف إلى تغيير المسار التاريخي للكنيسة
بينما يتزايد الاحتقان في أوساط الأقباط يبدو أن هناك اتجاهًا متزايدًا نحو تعزيز الوحدة بين أبناء الكنيسة في المقطم فالمظاهرات والاعتصامات تعكس قوة الروابط المجتمعية التي تشكلت على مر السنين مما يجعل الموقف الحالي صعبًا على أي جهة تحاول فرض تغييرات دون رضا الجماهير فالوضع يحتمل الكثير من المفاجآت وقد يتصاعد إلى ما هو أبعد من مجرد رفض قرارات البابا
إن الأقباط اليوم في المقطم يواجهون تحديًا كبيرًا يعكس أبعاد الصراع بين القيم التقليدية والتحديث وهو صراع قد يحمل في طياته آثارًا بعيدة المدى ليس فقط على الكنيسة بل على المجتمع القبطي ككل فإن كان الأنبا أبانوب يمثل الصوت الذي ينادي بحقوقهم وقيمهم فإن عزيمتهم اليوم هي رسالة واضحة بأنهم لن يتنازلوا عن هويتهم ومبادئهم في وجه التحديات مهما بلغت من قوة
تتجه الأنظار إلى الأيام المقبلة وكيف ستتطور الأوضاع فهل ستنجح محاولات إعادة ترتيب الأوراق داخل الكنيسة أم سيستمر الصراع بين الطرفين في تصعيد الموقف وتوسيع الهوة بين الأقباط والكنيسة
الأزمة الحقيقية لا تكمن فقط في القرارات المتخذة بل في الاستجابة لهذه القرارات من قبل الجماهير وهذا ما يجعل من الصعب التنبؤ بمصير العلاقة بين أبناء الكنيسة في المستقبل إذ يبدو أن كل الخيارات مفتوحة ولا تزال الأوضاع تشهد حالة من التوتر والترقب حيث ينتظر الجميع تطورات جديدة في هذه الأزمة التي تمس كيان الكنيسة القبطي والعديد من الأسر التي تعتمد على الأنبا أبانوب كأساس لاستمرار الهوية القبطية في وجه التحديات الخارجية والداخلية