تقاريرحقوق وحريات

تواطؤ حكومي صارخ وفساد يهدد عمال “سيديكو” في ظل تجاهل حقوقهم الأساسية

في مشهد يفضح التواطؤ الحكومي المستمر والتقصير الواضح في حماية حقوق العمال بمصر، نظم عمال شركة “سيديكو” للصناعات الدوائية وقفة احتجاجية داخل مقر الشركة بمدينة السادس من أكتوبر، تعبيرًا عن غضبهم واحتجاجًا على تجاهل مطالبهم المستحقة،

حيث طالب العمال بزيادة رواتبهم بنسبة 60% لتضاف إلى الأساسي، بجانب منحة غلاء المعيشة التي أصبحت ضرورية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار.

هذه الوقفة التي تمثل صرخة ألم تعبر عن المأساة التي يعيشها العمال، تكشف عن مدى استغلال الشركات لظروفهم المعيشية وتواطؤ الحكومة التي تكتفي بالصمت إزاء هذا الظلم.

ولكن هل تكفي الزيادة الهزيلة التي أقرتها إدارة الشركة والتي بلغت 1000 جنيه لمن تقل رواتبهم عن 10 آلاف جنيه؟ هذا السؤال كان محور غضب العمال الذين اعتبروا هذه الزيادة مجرد مسكن مؤقت وغير مجدي في ظل التضخم وارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية. وفقًا لشهادة اثنين من العمال تحدثا لموقع “المنصة”، فإن هذه الزيادة لم تلب الحد الأدنى من طموحاتهم بل زادت من شعورهم بالظلم والاستغلال.

إدارة الشركة تتجاهل مطالب العمال وتستمر في ممارساتها الجائرة

قال أحد العمال المحتجين إنهم قدموا مؤخرًا مذكرة للإدارة يطالبون فيها بزيادة الرواتب بعد الارتفاع الأخير في أسعار الوقود، إلا أن رد الإدارة جاء مخيبًا للآمال بإقرار زيادة هزيلة قدرها 1000 جنيه فقط، لتشمل فقط من تقل رواتبهم الشاملة عن 10 آلاف جنيه. هذا القرار أشعل غضب العمال الذين رأوا فيه تجاهلًا واضحًا لحقوقهم الأساسية خاصة أن بعضهم يعمل في الشركة منذ أكثر من 30 عامًا، ومع ذلك لم تصل رواتبهم الشاملة إلى أكثر من 10 آلاف جنيه.

أشار العامل إلى أن هناك الكثير من العمال الذين وصلت مدة خدمتهم في الشركة إلى 30 عامًا أو أكثر، ورغم ذلك، فإن رواتبهم بالكاد تصل إلى 10 آلاف جنيه. فهل من العدل أن يحرم هؤلاء العمال من الزيادة التي هم في أمس الحاجة إليها؟ ما يحدث هنا يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق العمال الذين يستحقون حياة كريمة وأجور تتناسب مع خبراتهم وخدمتهم الطويلة للشركة.

العامل أكد أن جميع العمال بلا استثناء يرفضون هذه الزيادة الهزيلة ويصرون على مطالبهم بزيادة لا تقل عن 60% من الراتب، بالإضافة إلى منحة غلاء المعيشة، مشيرًا إلى أن هذه المطالب ليست ترفًا بل ضرورة حتمية لمواجهة الظروف الاقتصادية المتدهورة.

إضرابات العمال تتكرر وسط تجاهل الحكومة المصرية لمطالبهم

هذه الوقفة الاحتجاجية ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن دخل عمال “سيديكو” في إضراب عام 2012 استمر لمدة شهرين كاملين للمطالبة بزيادة الرواتب وتثبيت العمال المؤقتين. ذلك الإضراب كان ناجحًا حينها، حيث استجابت إدارة الشركة وقامت بتثبيت جميع العاملين الذين مضى على عملهم بالشركة خمس سنوات، كما أقرت زيادة الرواتب وإنشاء صندوق معاشات للعاملين، ولكن يبدو أن وعود الشركة قد تآكلت بمرور الزمن.

اليوم، وبعد مرور أكثر من عقد على ذلك الإضراب، تعود نفس المشاكل لتطفو على السطح من جديد، وكأن الإدارة لم تتعلم شيئًا من الدروس السابقة. الأجور الهزيلة التي يتقاضاها العمال، رغم الأرباح الكبيرة التي تحققها الشركة، تظهر مدى الجشع الذي يمارسه رأس المال على حساب العمال البسطاء، وغياب أي دور رقابي فعّال من قبل الحكومة المصرية.

أرباح ضخمة وأجور متدنية: فضيحة تكشف فساد الحكومة المصرية

في الوقت الذي يتحدث فيه العمال عن رواتب هزيلة لا تسد احتياجاتهم الأساسية، نجد أن الشركة تعلن عن أرباح ضخمة لا تتناسب أبدًا مع ما تقدمه للعمال من أجور زهيدة. ففي منتصف العام الماضي، صرح رئيس مجلس إدارة الشركة الدكتور علي الغمراوي أن حجم صادرات “سيديكو” خلال الربع الأول من عام 2023 بلغ 1.1 مليون دولار، وأن الشركة تصدر منتجاتها لنحو 43 دولة وتسعى لزيادة هذا الرقم ليصل إلى 60 دولة بحلول 2024 و2025.

ليس هذا فحسب، بل أكد الغمراوي أيضًا أن حجم استثمارات الشركة في السوق المصرية حتى يونيو 2023 بلغ 1.4 مليار جنيه، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول كيفية توزيع هذه الأرباح الهائلة، ولماذا لا تنعكس على حياة العمال الذين هم العمود الفقري لنجاح الشركة؟ هل يعقل أن تحقق الشركة هذه الأرباح الطائلة بينما يعيش عمالها في حالة من الضيق الاقتصادي؟!

الأمر الذي لا يمكن تجاهله هنا هو الدور الفاسد الذي تلعبه الحكومة المصرية، حيث تترك الشركات الكبرى تفعل ما يحلو لها دون أن تتدخل لحماية العمال وضمان حقوقهم. إن الحكومة تتخاذل بشكل متعمد عن أداء واجبها الرقابي، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للعمال، الذين لا يجدون أمامهم سوى اللجوء إلى الإضرابات والاحتجاجات لمحاولة استعادة حقوقهم المسلوبة.

ما يحدث داخل شركة “سيديكو” هو صورة مصغرة لواقع مأساوي يعيشه العمال في مصر، حيث تتجاهل الشركات الكبرى حقوقهم، وتغض الحكومة الطرف عن معاناتهم. عمال “سيديكو” لم يعودوا يطالبون بالرفاهية، بل يطالبون بحقوقهم المشروعة في زيادة الرواتب بما يتناسب مع التضخم وارتفاع الأسعار.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى