تحذير عاجل من مشروع قانون يهدد حقوق الإنسان في ألمانيا
تتسارع الأحداث في ألمانيا حيث اتفقت أحزاب الائتلاف الحاكم مع أكبر أحزاب المعارضة على صياغة اقتراح برلماني مثير للجدل لمكافحة معاداة السامية وحماية حياة اليهود في البلاد
هذه الخطوة تثير العديد من التساؤلات حول حرية التعبير والتوجهات السياسية في بلد يعتبر نفسه مهدًا للديمقراطية وحقوق الإنسان البيان المشترك بين الكتل البرلمانية الحاكمة والمعارضة يوضح بشكل جلي ضرورة التصويت على الاقتراح الأسبوع المقبل تحت ذريعة حماية حياة اليهود باعتبارها واجبًا مشتركًا لجميع الديمقراطيين ولكن هذه النية الطيبة قد تخفي تحتها مخاطر جسيمة
هذا الاقتراح الذي يحمل عنوان لن يحدث ذلك مرة أخرى يتحدث عن ضرورة حماية حياة اليهود وتعزيز وجودهم في ألمانيا ويشمل إدانة جميع أشكال معاداة السامية ولكن ما يثير القلق هو أن هذا النص يدعو الحكومة الفيدرالية والولايات والبلديات لاتخاذ خطوات فعالة لمكافحة كراهية اليهود بينما ينذر بمزيد من القيود على حقوق المواطنين في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم في قضايا سياسية معقدة
لقد جاءت صياغة هذا المشروع القانوني بعد الهجوم الإرهابي المروع الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر عام 2023 والذي أدى إلى تصاعد مشاعر الكراهية تجاه اليهود في ألمانيا بمستويات لم تُشهد منذ عقود ويقول مشروع القانون إن هذا التطور مرتبط بتزايد معاداة السامية بشكل صريح وعنيف من قبل اليمين المتطرف والإسلاميين وكذلك اليساريين المناهضين للإمبريالية وهذا يثير تساؤلات حول مدى شمولية هذا القانون ومدى تأثيره على الحريات الأساسية
في هذا السياق عبر عدد من الناشطين والمدافعين عن الحقوق المدنية عن قلقهم البالغ من تأثير هذا القانون على الأنشطة المؤيدة لفلسطين خصوصًا تلك التي تتبنى أسلوب المقاطعة السلمية مثل حركة BDS حيث يُخشى أن يستهدف القانون هذه الأصوات بحجة مكافحة معاداة السامية مما قد يعزز القيود على حرية التعبير في المجتمع الألماني ويجعل من الصعب على الأفراد التعبير عن آرائهم بحرية في قضايا مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
وفي تحليل أعمق لمشروع القانون نجد أنه يحتوي على عدة نقاط مثيرة للقلق منها تعديل القوانين الجنائية وقوانين الإقامة والجنسية للسماح بسحب الإقامة والجنسية من الأفراد الذين يعتبرون مناهضين لإسرائيل وهذا يعني استهداف المهاجرين وذوي الأصول الشرق أوسطية وحتى النشطاء اليساريين الذين يعبرون عن آرائهم بشكل سلمي ومن المتوقع أن تترتب على هذا تشديد الإجراءات العقابية في المجتمع ما يخلق مناخًا من الخوف والترهيب
علاوة على ذلك يمنح القانون صلاحيات واسعة لحظر أي مؤسسة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل أو تُعتبر معادية لها مما يُعطي ذريعة لإغلاق مؤسسات ثقافية وفنية تعبر عن وجهات نظر تختلف مع السياسة الإسرائيلية هذا يعني أن الفضاء الثقافي في ألمانيا قد يصبح محكومًا بقوانين صارمة تمنع أي شكل من أشكال التعبير الذي قد يُعتبر مُعاديًا لإسرائيل وهذا لا يهدد فقط الأنشطة الثقافية بل أيضًا يُعيق تطور الفكر النقدي في المجتمع
وعلى صعيد الأنشطة الثقافية والفنية ينص مشروع القانون على قطع التمويل عن الفعاليات التي تُعتبر معادية للسامية بما في ذلك مهرجان برلين السينمائي المعروف وهذا يمثل ضربة قاصمة لحرية الثقافة والفن في ألمانيا ويعني أن الفنانين والمبدعين الذين يتناولون قضايا معقدة قد يجدون أنفسهم في مواجهة مع عواقب وخيمة نتيجة لآرائهم الإبداعية
تتسع دائرة المخاطر لتصل إلى المؤسسات التعليمية حيث يتيح القانون لإدارات المدارس والجامعات صلاحيات واسعة لفرض عقوبات على الطلبة الذين يُعتبرون معادين للسامية تصل إلى حد الطرد وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول حق الطلاب في التعبير عن آرائهم ومناقشة القضايا المثيرة للجدل داخل الحرم الجامعي
من هنا يظهر جليًا أن هذا القانون يتطلب دراسة متأنية من قبل المجتمع الألماني وكافة المؤسسات الحقوقية والمدنية إذ يجب على العقلاء في هذا المجتمع أن يتحدوا ضد هذا القانون الذي يُهدد مناخ الحرية والحقوق الأساسية كما يتوجب على الأمة الإسلامية وكل المهتمين بحقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم التحرك لرفع مستوى الوعي حول تداعيات هذا التشريع الخطير
الوقت الآن هو للوقوف ضد أي محاولات لتقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية تحت أي مبرر كان فالقضية الفلسطينية وقضايا حقوق الإنسان الأخرى تستحق من الجميع الالتفات والدعم فلا يمكن أن يُعتبر أي شكل من أشكال التعبير عن الرأي أو الموقف من الصراع كراهية أو عنصرية فهذا القانون لا ينذر فقط بالخطر على حياة اليهود في ألمانيا بل يهدد القيم الديمقراطية التي يتفاخر بها المجتمع الألماني بكامله