في تصعيد جديد يعكس تحولًا خطيرًا في المشهد الميداني، أعلنت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي عن بدء إنشاء مواقع عسكرية من الإسمنت المسلح في محور فيلادلفيا الذي يفصل بين قطاع غزة ومصر، خطوة تحمل دلالات مقلقة وتجعل من قطاع غزة منطقة متزايدة الاحتقان والتوتر.
هذه المواقع العسكرية التي يجري تشييدها وفقًا لما أوردته الإذاعة، ستُزود بالكهرباء والإنترنت، وهي خطوة قد تكون لها تداعيات أمنية وسياسية خطيرة على الأوضاع في المنطقة
محور فيلادلفيا، الذي ظل لفترة طويلة محورًا استراتيجيًا حساسًا، بات الآن تحت أنظار العالم مجددًا مع بدء هذا التحرك الإسرائيلي الجديد، فالاحتلال يضع الآن الأساسات لبنية تحتية عسكرية غير مسبوقة في هذا المحور الذي يُعتبر شريانًا حيويًا يربط بين غزة والعالم الخارجي من خلال الحدود المصرية. هذا التحرك يُعد تصعيدًا غير مبرر في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة على حافة الانفجار جراء الحصار الخانق المفروض على القطاع منذ أكثر من عقد
يشير الإعلان عن هذه المواقع العسكرية إلى نية الاحتلال الإسرائيلي فرض سيطرة أمنية مشددة على قطاع غزة، مما يزيد من عزلته ويقلل من فرص أي تواصل خارجي قد يسهم في تحسين الأوضاع المعيشية لسكان القطاع. المواقع الجديدة تأتي تزامنًا مع تصريحات متزايدة عن نوايا الاحتلال توسيع عملياته الأمنية في غزة، وهو ما يثير مخاوف متزايدة بشأن مستقبل المنطقة وما إذا كانت هذه الخطوة بداية لتحرك عسكري أوسع
وفي حين يُركِّز الاحتلال على تعزيز مواقعه العسكرية وبناء التحصينات على الحدود مع غزة، فإن القطاع يواجه تحديًا أكبر وأشد وطأة؛ إذ حذر برنامج الأغذية العالمي من خطر حدوث مجاعة وشيكة مع دخول فصل الشتاء. فالنقص الحاد في الإمدادات الإنسانية والطعام، بالإضافة إلى الحصار المستمر والهجمات العسكرية، يهدد حياة ما يقرب من مليوني شخص يعيشون في القطاع. إذا لم يتم تدارك الوضع سريعًا، فإن الأزمة الغذائية التي تضرب غزة قد تتحول إلى كارثة إنسانية لا تُحمد عقباها
الوضع الحالي في غزة يبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، فالقطاع الذي يعاني من حصار اقتصادي وسياسي خانق لأكثر من عقد، يواجه الآن أزمة غذائية وإنسانية تهدد الوجود البشري فيه. برنامج الأغذية العالمي حذر من أن معدلات انعدام الأمن الغذائي تتفاقم بوتيرة سريعة، حيث أصبح من الصعب على السكان الحصول على المواد الغذائية الأساسية بسبب القيود الشديدة المفروضة على دخول المساعدات والسلع التجارية. هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، لكنها تتفاقم يومًا بعد يوم بفعل الحصار الذي يمنع دخول المواد الغذائية والطبية بكميات كافية لسد احتياجات السكان
تحدثت تقارير برنامج الأغذية العالمي عن نقص كبير في المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية المتوفرة في القطاع، حيث أشار البرنامج إلى أن الإمدادات المتاحة لا تكفي لتلبية احتياجات السكان لأكثر من أسابيع قليلة، ومع اقتراب فصل الشتاء، تتزايد المخاوف من أن يتدهور الوضع الإنساني إلى درجة الكارثة. الحصار المستمر والهجمات العسكرية المتكررة زادا من تدهور البنية التحتية في غزة، مما يعقد من عمليات توزيع المساعدات ويعيق وصولها إلى المحتاجين
من ناحية أخرى، يشير البعض إلى أن التحرك الإسرائيلي لبناء مواقع عسكرية جديدة على محور فيلادلفيا يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية أكبر تهدف إلى فرض مزيد من العزلة على قطاع غزة، ومنع دخول المساعدات والسلع عبر الحدود مع مصر. هذا التصعيد العسكري يضع المنطقة في مسار خطير قد يؤدي إلى تصعيد أوسع نطاقًا، لا سيما في ظل تزايد الدعوات الدولية إلى ضرورة إيجاد حل سياسي دائم للأزمة في غزة. ومع ذلك، لا تبدو هناك مؤشرات على قرب حدوث انفراجة سياسية، مما يجعل الوضع أكثر توترًا ويزيد من المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية جديدة
من الواضح أن هذه التطورات تأتي في سياق توتر متصاعد بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، حيث تسعى إسرائيل إلى تعزيز سيطرتها الأمنية على غزة من خلال بناء المزيد من التحصينات العسكرية، في حين تواجه الفصائل الفلسطينية تحديات داخلية وخارجية تفاقم من تعقيدات المشهد السياسي والأمني في القطاع. ومع استمرار الوضع على ما هو عليه، فإن القطاع يقترب من نقطة الانهيار الإنساني الكامل
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في غزة لا تحتمل المزيد من التدهور، إذ يعاني السكان من انقطاع مستمر في التيار الكهربائي والمياه الصالحة للشرب، بالإضافة إلى نقص الوقود والأدوية. هذه الأزمة متعددة الأوجه تجعل من الصعب على المجتمع الدولي تقديم مساعدات كافية أو إيجاد حلول سريعة لتخفيف معاناة السكان. برنامج الأغذية العالمي حذر بوضوح من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى مجاعة تهدد حياة الملايين، مطالبًا بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لفتح المعابر وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق
وفي خضم هذه الأزمة، لا تزال غزة تدفع ثمن الصراعات السياسية والعسكرية في المنطقة، في الوقت الذي يغض فيه العالم الطرف عن معاناة السكان المحاصرين، فالمأساة الإنسانية التي تتكشف فصولها في غزة الآن ليست سوى جزء من معركة أكبر تدار في الكواليس، حيث تختلط الحسابات السياسية والعسكرية بمصائر الأبرياء.