مأساة تهز بورسعيد: إهمال الحكومة وفساد الإدارة يتسببان في مقتل طالب داخل مدرسته
في واقعة مأساوية تبرز مدى الإهمال الحكومي وفساد الإدارات المعنية بالأمن داخل المؤسسات التعليمية، شهدت إحدى مدارس بورسعيد حادثًا كارثيًا أدى إلى وفاة الطالب محمد عمر مهران نتيجة طعنة قاتلة وجهها له زميله داخل المدرسة الميكانيكية وسط فوضى إدارية وتخاذل كامل من مسؤولي التعليم والحكومة المحلية عن أداء واجبهم في تأمين بيئة آمنة للطلاب.
هذا الحادث البشع يكشف بوضوح الفشل العميق في منظومة التعليم والأمن المدرسي، ويعكس الوجه الحقيقي للفساد المتفشي الذي يؤدي إلى إزهاق أرواح الأبرياء في مؤسسات من المفترض أن تكون حصناً آمناً لهم.
بداية الكارثة كانت عندما اندلع شجار بين الطالبين محمد عمر مهران والمتهم الذي لم يتم الكشف عن اسمه بعد، حيث قام الأخير باستخدام سلاح أبيض بشكل غير مبرر لينهي حياة محمد بطعنة مباشرة في القلب.
كيف تمكّن هذا الطالب من إدخال سلاح إلى داخل المدرسة؟ وكيف لم تتمكن الإدارة من منع وقوع مثل هذا الحادث؟ هذه الأسئلة تصرخ في وجه الجهات المسؤولة التي تخلت عن دورها في حماية حياة الطلاب الذين تحولوا إلى ضحايا لبيئة غير آمنة وفوضى إدارية غير مسبوقة.
بدلاً من الاعتراف بفشل المنظومة التعليمية والأمنية في حماية الطلاب داخل المدارس، سارعت الجهات المعنية إلى إلقاء اللوم على أفراد معدودين وتحميلهم المسؤولية كأكباش فداء، حيث قرر مدير تعليم بورسعيد استبعاد مدير المدرسة الميكانيكية وإحالة عدد من المسؤولين للتحقيق، في محاولة لتخفيف الغضب الشعبي المتزايد.
ولكن هذا القرار لا يعدو كونه خطوة رمزية لن تعيد حياة الطالب محمد عمر ولن تحل الأزمة الجذرية المتمثلة في الإهمال المزمن وفساد الإدارة الذي يستشري في كافة مؤسسات الدولة المصرية.
هذا الحادث ليس الأول ولن يكون الأخير في ظل استمرار تهاون الحكومة المصرية في تطبيق إجراءات الأمن الصارمة داخل المؤسسات التعليمية.
فقد باتت المدارس مكانًا للصراعات والعنف بدلاً من أن تكون بيئة تربوية آمنة. كيف يمكن لمدرسة أن تكون “مركزًا تعليميًا” بينما يمكن للطلاب حمل أسلحة قاتلة دون أن يتعرضوا لأي نوع من التفتيش أو الرقابة؟ أين كانت الأجهزة الأمنية؟ كيف تم السماح لهذه الفوضى بأن تستمر داخل جدران مؤسسة تعليمية؟
نقل جثمان الطالب محمد عمر مهران إلى مشرحة مستشفى الزهور، حيث تنتظر عائلته المكلومة استكمال الإجراءات القانونية بتصرف النيابة العامة.
هذه العائلة لن تتلقى سوى وعودٍ فارغة من قبل السلطات، ووعودًا أخرى حول تحسين الأوضاع في المدارس دون أن يتغير شيء على أرض الواقع.
النمط المتكرر في مثل هذه الحوادث هو انطلاق تحقيقات شكلية وسطحية تنتهي بإجراءات إدارية محدودة دون أي إصلاح حقيقي أو محاسبة جادة.
وفي الوقت نفسه، تعمل الأجهزة الأمنية على تتبع المتهم الذي فرّ من مكان الجريمة بعد ارتكابها، وما زال هاربًا حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
ورغم فتح المحضر وعرض الواقعة على جهات التحقيق المعنية، لا تزال الأسئلة الأكبر قائمة حول مسؤولية الحكومة في توفير بيئة آمنة للطلاب ومحاسبة المتورطين في ترك هذا الطالب الصغير يلقى حتفه في ساحة المدرسة.
إلى متى سيظل الإهمال يقتل طلابنا داخل المؤسسات التعليمية؟ ومتى ستتحمل الحكومة مسؤولياتها الحقيقية بدلًا من الاكتفاء بإجراءات سطحية لا تلامس جوهر المشكلة؟
ما جرى في بورسعيد هو جريمة مكتملة الأركان، ليس فقط في تفاصيل الحادث المؤلم الذي راح ضحيته محمد عمر مهران، بل في السياق الأوسع الذي يكشف عن فساد النظام التعليمي وتقصير الأجهزة الرقابية، وغياب الاهتمام بأمن الطلاب.
فهل ستكون هذه الحادثة بمثابة نقطة تحول تجبر الحكومة على التحرك الجاد؟ أم أنها مجرد صفحة أخرى في سجل طويل من الفشل الحكومي الذي أصبح مألوفًا للجميع؟
الإجابة على هذه التساؤلات تعتمد على الإرادة السياسية والإدارية التي يبدو أنها غائبة تمامًا. ففي الوقت الذي يجب فيه على الحكومة المصرية أن تتخذ خطوات فعلية لمعالجة هذه الكوارث،
نجد أنها مشغولة بقضايا أخرى أقل أهمية، تاركةً النظام التعليمي يغرق في مستنقع من الفوضى والإهمال. فبدلاً من التركيز على حل المشكلات الحقيقية، تكتفي الحكومة بإجراءات شكلية ووعود زائفة لم تعد تخدع أحدًا.
ويبقى محمد عمر مهران ضحية جديدة لإهمال الدولة وفساد المسؤولين، ضحيةً لمنظومة تعليمية منهارة، وضحيةً لحكومة تتعامل مع أرواح الناس بخفة ودون اكتراث.
هذا الحادث يفضح الحقيقة المرة عن الوضع المتردي الذي تعيشه المدارس المصرية، ويجب أن يكون بمثابة دعوة للاستيقاظ، دعوة للإصلاح الحقيقي ومحاسبة كل من يتورط في هذا الفساد والإهمال.
ولكن حتى يأتي هذا اليوم، سنظل نشهد المزيد من الضحايا الذين يسقطون في غياب العدالة والتراخي الحكومي المستمر.