فضائح الفساد في الإذاعة المصرية: الحكومة تتجاهل الإهدار المروع للمال العام
في قضية تثير القلق وتسلط الضوء على الفساد المستشري داخل أروقة الحكومة المصرية تقدم الكاتب الروائي سيد عبد العزيز محمد أحمد بشكوى رسمية إلى رئاسة مجلس الوزراء متهماً الإذاعة المصرية بممارسات فساد وإهدار للمال العام تتطلب تحقيقاً عاجلاً.
في شكواه التي حملت الرقم 8845486 إلى منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة سلط الضوء على العديد من الوقائع التي تنم عن الفساد المستشري وبيع ساعات البث والبرامج من الباطن والتعدي على المحتوى الإذاعي، حيث تتجاوز الأرقام والمعلومات المذكورة عتبة الخطر وتكشف عن تسهيل الاستيلاء على أموال الدولة بمبلغ يقدر بـ 3.6 مليون جنيه سنوياً.
أوضح الكاتب في شكواه أنه عمل كاتباً روائياً ومحرراً ورئيس تحرير في إذاعة البرنامج العام لمدة 14 عاماً، وخلال تلك الفترة اكتشف العديد من الانتهاكات والمخالفات التي تمت تحت مرأى ومسمع من رئيس شبكة البرنامج العام.
وأشار إلى أن الواقعة الأولى تمثلت في التعدي على المال العام من خلال بيع بعض البرامج من الباطن بحضور علم رئيس الشبكة، حيث تم تقديم مذكرة رسمية تحمل الرقم 453 في الأول من أغسطس 2023 لرئيس قطاع الإذاعة، وقيدت تحت رقم مخالفة 79 لسنة 2023.
لكن النتيجة كانت حفظ الشكوى، واستبدال الشهود، وعدم الاستماع لأقواله، مما يعكس حجم الفساد والمحسوبية في إدارة القطاع.
أما الواقعة الثانية، فقد كشف فيها الكاتب عن سرقة وانتهاك المحتوى الإذاعي، حيث تقدر المسروقات بنحو 140 ألف ساعة بث.
وقد قدم مذكرة إلى المشرف على مركز المعلومات، وأحيلت لاحقاً إلى رئيس القطاع الاقتصادي، وواصلت المذكرة طريقها حتى وصلت إلى رئيس الهيئة برقم 284 بتاريخ 24 أكتوبر 2024.
ومع استمرار التحقيقات، تواصلت الأزمات، حيث تسربت معلومات عن تواطؤ رئيس قطاع الإذاعة مع المخالفات. وفي خطوة تصعيدية، أصدر قراراً بمنع الكاتب من دخول مبنى الإذاعة والتلفزيون في 25 ديسمبر 2023، مما يعد انتهاكاً لحقوقه وحقوق العاملين في المؤسسة.
هذا القرار جاء بعد تعرضه للكيد والتشهير من قبل رئيس القطاع ورئيس الشبكة، مما يزيد من حجم الضغوط النفسية والأدبية التي تعرض لها.
تتجلى الواقعة الثالثة في إهدار المال العام بطريقة غير مسبوقة، حيث كشف الكاتب عن تسهيل الاستيلاء على 3.6 مليون جنيه سنوياً من خلال عقود مبرمة بين وزارة التضامن الاجتماعي والإذاعة المصرية، والتي بلغت قيمتها الإجمالية 5 ملايين جنيه سنوياً.
هذه العقود تشمل عقدين تبلغ قيمة كل منهما 2.5 مليون جنيه، كان من المفترض أن يتم توريدها إلى خزينة الهيئة الوطنية للإعلام، لكن ما حصل هو استحواذ شركة خاصة على مبلغ 3.6 مليون جنيه، مما يثير تساؤلات عديدة حول عمليات الفساد.
للأسف، يبدو أن الهيئة الوطنية للإعلام لم تستفد من هذا المبلغ، حيث كانت حصتها من تلك العقود لا تتجاوز مليون جنيه تقريباً.
بينما يتم استغلال الظروف المحيطة، حيث لا تتطلب البرامج التي تبث على الهواء مباشرة أي مصاريف إنتاج، في حين تمتلك استوديوهات الإذاعة القدرة على إنتاج البروموهات المطلوبة. لكن بدلاً من ذلك، تم غلق استوديوهات متخصصة على أعلى مستوى، مما يزيد من حدة التساؤلات حول نية رئيس قطاع الإذاعة.
في ختام شكواه، أعرب الكاتب عن مخاوفه الشديدة من عدم استعادته لوظيفته، رغم أنه مصدر رزقه الوحيد، وعائلته لم تترك له إرثاً يعيش منه.
على الرغم من تقديمه لشهادته وما جمعه من معلومات موثقة، إلا أنه تعرض للإيقاف عن العمل، حيث أصدر رئيس الإذاعة محمد نبيل نوار قراراً بمنعه من العمل استناداً إلى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 4499 لسنة 2023، الذي يزعم أنه يسعى لترشيد الإنفاق. ورغم أنه كان يتقاضى 1800 جنيه شهرياً، إلا أن الإيقاف لم يكن له أي مبرر مقبول.
هذا التقرير ليس مجرد شكوى فردية بل هو صرخة مدوية من قلب معاناة طويلة وشاقة عاشها الكاتب والمجتمع ككل. فالتجاوزات والفساد المتفشي يفتح المجال لأسئلة ملحة حول مستقبل الإعلام في مصر، وحول مدى قدرة الدولة على محاربة الفساد واستعادة الثقة بين مؤسساتها.
آن الأوان للمسؤولين في الحكومة المصرية أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يتخذوا خطوات فعلية لكشف الفاسدين واستعادة حقوق المواطنين الذين يعانون من التلاعب والفوضى التي تعصف بمؤسسات الدولة.