في مشهد درامي يوضح أبعاد المأساة التي تعيشها مصر تظهر الأرقام كجليدٍ يطفو على قمة جبل فساد حكومي متجذر لا يراعي مصالح الشعب المصري بل يكرس استنزاف موارده
حيث قفز إجمالي ديون الدولة إلى ما يقارب 340 مليار دولار موزعة بين ديون خارجية تصل إلى 168 مليار دولار وديون داخلية بلغت 172 مليار دولار وعندما ننظر إلى هذه الأرقام نجدها تشير إلى وضع خطير يشير إلى فقدان الأمل في مستقبل أفضل
إن تفشي الديون الحكومية أصبح واقعًا مريرًا تتجلى ملامحه في الموازنة العامة التي سجلت ديونًا تصل إلى 16.4 تريليون جنيه حيث تشير التقديرات إلى أن هذه الديون تمثل نسبة تصل إلى 96% من الناتج المحلي الإجمالي
ما يعني أن الحكومة المصرية تدور في حلقة مفرغة من الاقتراض لسد العجز الهائل مما يهدد الاستقرار الاقتصادي ويجعل البلاد رهينة لالتزامات مالية ثقيلة
من المؤسف أن تُظهر البيانات الرسمية حتى يونيو 2024 أن الحكومة لم تتخذ خطوات جادة لتحسين الوضع بل على العكس انخرطت في سياسات اقتصادية تزيد الطين بلة
فبدلاً من اتخاذ تدابير حقيقية لخفض الدين العام استمرت في الاقتراض بأسلوب يُظهر إهمالاً صارخًا لمصالح الشعب المصري وكأنها تُلقي بشعبها في غياهب المجهول دون أي اعتبار لما قد ينجم عن هذا التصرف
إن استمرار الحكومة في نهجها هذا يكشف عن الفساد الذي ينخر في جسد الدولة حيث تُشير التقارير إلى أن الأموال المُقترضة تُصرف في مشروعات غير ذات جدوى وتُهدر في مجالات لا تُعزز التنمية المستدامة
بل تُعمق من أزمات الفقر والبطالة وتفشي الأمراض وتدهور الخدمات العامة كالصحة والتعليم بينما يُسدد الشعب المصري ضريبة الفساد الحكومي في صورة أعباء متزايدة على كاهله
ويستمر الجدل حول من سيسدد هذه الديون الكارثية فبينما يكتوي المواطن البسيط بنار ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة الجنيه المصري تنغمس بعض الشخصيات السياسية والاقتصادية في ترف العيش دون أن يكترثوا بحال البلاد
حيث يُقدَّر أن الفجوة بين الطبقات الاجتماعية تتسع يوما بعد يوم ما يُظهر عدم التوازن في توزيع الثروات ويُعيد طرح الأسئلة حول المسؤولية الأخلاقية للحكومة في إدارة المال العام
إن ما نشهده اليوم من ارتفاع غير مسبوق في نسبة الديون إلى الناتج المحلي هو بمثابة جرس إنذار يُحذر من المستقبل المظلم الذي ينتظر مصر إذا استمرت الحكومة في سياستها الحالية
فلن تُجدي نفعًا التطمينات التي تطلقها بين الحين والآخر بل إن الواقع يؤكد أن الطريق الذي تسلكه الحكومة هو طريق مسدود سيؤدي حتمًا إلى المزيد من الأزمات والمشكلات التي ستُثقل كاهل الأجيال القادمة
إن المسؤولية الآن ملقاة على عاتق الشعب المصري الذي يجب أن يعي حجم الكارثة وأن يطالب بحقه في شفافية المعلومات وحقه في المعرفة حول كيفية صرف الأموال العامة وأين تذهب هذه الديون ولماذا تزداد الأعباء على كاهلهم في الوقت الذي يُهدر فيه المال العام في مشروعات وهمية وأسلوب حياة مرفه لفئات معينة من المجتمع
كما أن المعركة ضد الفساد تتطلب وحدة الصف الوطني وتعاون الجميع بدءًا من الأحزاب السياسية إلى منظمات المجتمع المدني في مسعى جاد للكشف عن الفساد المستشري وتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة
فالأمل في التغيير يتطلب العمل الجاد والإرادة الحقيقية لتغيير هذا الواقع المرير والذي إذا استمر فسيُكتب في تاريخ مصر كواحدة من أكثر الفترات ظلامًا في تاريخها الحديث
فمن سيسدد هذه الديون؟ سؤال يطرح نفسه بشكل مُلح ويستدعي الإجابة عنه بجرأة ووضوح فليس من المقبول أن تتحمل الأجيال القادمة أعباء فشل الحكومة الحالية في إدارة شؤون البلاد المالية
فالإصلاح يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة المقبلة وأن تُفتح الملفات المعقدة المرتبطة بالفساد والإهدار المالي
إن الوقت قد حان ليقف الشعب المصري وقفة حاسمة ليتساءل عن مستقبل بلاده وليكون له صوت في تحديد مسار السياسات المالية بدلاً من أن يكون مجرد ضحية لعشوائية القرارات الحكومية التي أثبتت فشلها الذريع ولنعلم جميعًا أن طريق الإنقاذ لا يأتي إلا من خلال شجاعة المواجهة ورفض السكوت على الظلم والفساد الذي يضرب بجذوره في كل زاوية من زوايا الحياة اليومية في مصر