تقارير

كارثة غذائية تضرب مصر: أسعار اللحوم ترتفع 365% والحكومة غارقة في الفساد والتقاعس

في السنوات العشر الأخيرة، شهدت مصر انفجاراً غير مسبوق في أسعار اللحوم، حيث قفز سعر كيلو اللحم من 81 جنيهاً في عام 2014 إلى ما يقرب من 377 جنيهاً رسمياً في 2024.

بينما في الأسواق تتراوح الأسعار بين 380 و450 جنيهاً، مما يشير إلى أزمة اقتصادية عميقة تضرب جميع شرائح المجتمع المصري وخاصة الفئات الفقيرة والمتوسطة.

هذه الزيادة الباهظة بنسبة 365% خلال عقد واحد تشكل تهديداً مباشرًا للأمن الغذائي في مصر وتلقي الضوء على فشل الحكومة في إدارة ملف الزراعة والإنتاج الحيواني.

البيانات الرسمية تظهر هذه الزيادة الصارخة، ومع ذلك فإن المسؤولين الحكوميين يلتزمون الصمت أو يقدمون مبررات واهية. يبدو أن الحكومة المصرية تفتقر إلى استراتيجية فعّالة للسيطرة على أسعار السلع الأساسية.

فبدلاً من تبني سياسات اقتصادية مستدامة، تمادت الحكومة في تطبيق إجراءات عشوائية وغير مدروسة زادت من أعباء المواطنين. في حين تتفاقم الأزمة، يبقى الفساد مستشريًا داخل الأجهزة الحكومية دون أي رادع حقيقي.

لم تحرك الحكومة ساكناً لمواجهة الاحتكار أو حتى للتحكم في أسعار الأعلاف والمستلزمات الزراعية التي أدت بشكل مباشر إلى هذه القفزة غير المعقولة في أسعار اللحوم.

ومما يزيد الطين بلة أن المسؤولين عن هذا الملف، من وزارة الزراعة إلى وزارة التموين، يتنصلون من مسؤولياتهم أو يلقون اللوم على “ظروف خارجية” مثل الحروب العالمية أو التغيرات المناخية، متجاهلين تمامًا فشلهم في بناء قطاع زراعي مستدام قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي.

وهذا يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مدى فعالية هؤلاء المسؤولين وشفافية القرارات التي يتم اتخاذها داخل أروقة السلطة.

الأزمة ليست فقط في ارتفاع الأسعار، بل تمتد لتشمل نقصًا ملحوظًا في المعروض من اللحوم. هذا النقص ينعكس بوضوح على الأسواق حيث يضطر المستهلكون لشراء اللحوم بأسعار تفوق قدراتهم بكثير.

في حين أن الحكومة تدّعي أنها تعمل على زيادة الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، فإن الواقع يقول غير ذلك. لا تزال مصر تعتمد بشكل كبير على استيراد اللحوم من الخارج، مما يزيد من أعباء الميزانية ويزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني أمام التقلبات العالمية.

ولا تتوقف الأزمة عند هذا الحد، فالمزارعون ومربو الماشية يعانون من ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل حاد، إذ أن أسعار الأعلاف المستوردة، التي تتحكم فيها شركات ذات نفوذ كبير داخل الحكومة، تشهد زيادات متواصلة.

هذا الأمر أدى إلى خروج العديد من صغار المربين من السوق، مما أدى إلى تقليص المعروض وزيادة الأسعار بشكل أكبر. الحكومة بدورها لم تحرك ساكناً، بل ساهمت بشكل غير مباشر في هذه الأزمة من خلال غياب الرقابة وتفشي الفساد في كل مفاصل الدولة.

أما عن دور البرلمان، فلا صوت يعلو فوق صوت المصالح الشخصية. أعضاء البرلمان الذين من المفترض أن يدافعوا عن حقوق الشعب، انشغلوا بتحقيق مصالحهم الخاصة وتكديس الثروات.

لم نر أي تحرك جاد من قبلهم لمساءلة الحكومة أو الضغط عليها لاتخاذ خطوات فعلية للحد من هذه الأزمة. يبدو أن المصالح المشتركة بين كبار المسؤولين وأصحاب الأعمال قد أعمت عيونهم عن معاناة المواطنين الذين لا يجدون أمامهم سوى مزيد من الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار.

المواطن المصري بات محاصراً بين نارين، نار الغلاء المستمر ونار الفساد الذي ينخر في جسد الدولة. الحكومة تبدو غير مكترثة، وتستمر في إطلاق تصريحات متفائلة حول المستقبل الاقتصادي، في الوقت الذي تزداد فيه معدلات الفقر وترتفع نسب البطالة. هل هذه الحكومة تعيش في واقع موازٍ؟ هل يدرك المسؤولون حجم الكارثة التي يواجهها الشعب؟

والمثير للسخرية أن الحكومة تتحدث عن “العدالة الاجتماعية” و”تحقيق رفاهية المواطن”، في حين أن الواقع المرير يعكس صورة مغايرة تماماً.

كيف يمكن الحديث عن رفاهية في وقت يتعذر على المواطن العادي شراء كيلو من اللحم؟ هل هذه هي العدالة التي تتحدث عنها الحكومة؟ أم أنها مجرد شعارات جوفاء تستخدم لتهدئة الشارع وتجميل الصورة أمام الرأي العام؟

لا يمكن إنكار أن بعض العوامل الخارجية، مثل الحروب وارتفاع أسعار الطاقة، قد ساهمت في تعقيد المشهد، ولكن هذا لا يبرر تقاعس الحكومة عن اتخاذ إجراءات جدية لحماية السوق المحلي.

من الواضح أن هناك تواطؤاً من قبل الجهات المعنية، التي إما تستفيد من هذا الوضع أو تغض الطرف عن ممارسات الفساد والاحتكار التي تزيد من معاناة المواطن.

على الرغم من كل هذا، لا يزال المصريون ينتظرون بصيص أمل من حكومة تبدو عاجزة تمامًا عن تقديم أي حلول. الكارثة الحقيقية تكمن في أن الأزمة الحالية ليست مجرد أزمة مؤقتة، بل هي نتيجة لسياسات فاشلة وتراكمات طويلة من الفساد والإهمال.

إذا لم تتحرك الحكومة بشكل عاجل لوضع حلول جذرية لهذه الكارثة، فإن المستقبل ينذر بمزيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

ويجب على الحكومة المصرية أن تتحمل مسؤوليتها كاملة أمام هذا الوضع الكارثي. لا يمكن الاستمرار في تجاهل معاناة الشعب، ولا يمكن ترك الأمور على هذا النحو دون تدخل حقيقي.

الفساد المستشري والتقاعس الحكومي هما المحركان الأساسيان لهذه الأزمة، وإذا استمر هذا الحال، فإن مصر على موعد مع كارثة أكبر في المستقبل القريب.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى