كارثة الحريات في مصر: تراجع مروع في المؤشر يكشف فساد الحكومة
في صفعة قاسية على وجه الحكومة المصرية وعلى الرغم من الوعود المتكررة بالإصلاح والتغيير جاء تقرير مؤشر الحريات ليكشف عن حقيقة مريرة لا يمكن تجاهلها تشير إلى تدهور غير مسبوق في وضع الحريات في مصر
فقد انخفضت البلاد 34 مركزا دفعة واحدة لتسجل المركز 161 من أصل 165 دولة شملها التقرير في عام 2023 بينما كانت تحتل المركز 127 في عام 2010
وهذه الأرقام تتحدث عن نفسها وتعكس بشكل صارخ تفشي الفساد والتقاعس الحكومي الذي أصبح السمة الغالبة على الإدارة المصرية
تتعدد أبعاد هذا التقرير لتشمل الحريات السياسية والمدنية والاقتصادية مما يجعل الوضع أكثر كارثية فالحكومة المصرية التي كانت تدعي دوما أنها تسعى لتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان أثبتت بفعل الواقع عكس ذلك تمامًا
فالحريات المدنية تتعرض لضغوط غير مسبوقة حيث باتت وسائل الإعلام المستقلة محاصرة وتتعرض للاعتقال والتهديد بينما يعاني المواطنون من قمع حرية التعبير والتجمع وفي ظل غياب أي آليات فعالة لمساءلة الحكومة عن أفعالها يتضح أن الأمور تتجه نحو الأسوأ
تأتي هذه الأرقام لتؤكد أن الحكومة المصرية لم تكتفِ بتخفيض مستويات الحريات بل أسهمت بشكل مباشر في خلق بيئة يسودها الخوف والترهيب إذ يواجه الصحفيون والنشطاء السياسيون قسوة غير مسبوقة في التعامل
مما يعكس غياب الإرادة السياسية الحقيقية للتغيير ويعزز فكرة أن الحكومة لا تملك أي خطة فعلية لإنهاء هذه الأزمات بل تسعى فقط إلى الحفاظ على سلطتها حتى ولو كان الثمن تدهور حقوق الإنسان في البلاد
تاريخ الحكومة المصرية مليء بالوعود الجوفاء حيث تكررت التصريحات الرسمية عن تعزيز الحريات وإصلاح النظام السياسي ومع ذلك لا تزال السياسات الحكومية تصب في اتجاه سحق أي معارضة وكبت الحريات الشخصية
فمع اتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي والواقع المعاش يجد المواطنون أنفسهم محاصرين بين الفساد المستشري والإجراءات القمعية التي تتبناها الحكومة والتي أصبحت بمثابة القاعدة وليس الاستثناء
هذا التراجع في مؤشر الحريات لم يعد مجرد أرقام بل أصبح مأساة حقيقية تعيشها كل فئات المجتمع فبالإضافة إلى تدهور الحريات السياسية والمدنية هناك تدهور اقتصادي يضاف إلى معاناة المصريين
فقد زادت معدلات الفقر والبطالة بينما تواصل الحكومة تجاهل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم يوما بعد يوم بل إن الحكومة تسعى لترسيخ نظام قمعي بدلاً من توفير حلول جذرية للمشكلات التي تعصف بالمجتمع
الشعب المصري يعاني من ضغوطات هائلة في ظل هذا الواقع المأساوي فالتظاهرات السلمية تعرض المشاركين فيها للاعتقال دون أي تهمة حقيقية
بينما تزداد عمليات المراقبة والتجسس على المواطنين بشكل ملحوظ وهذا التوجه يعكس مدى انعدام الثقة بين الحكومة والمواطنين فالخوف أصبح السمة الغالبة في الشارع المصري حيث يتم قمع أي صوت معارض مهما كان خافتاً
التقرير يوضح بجلاء أن السلطات المصرية لم تكن يوما جادة في تحقيق الإصلاحات المنشودة بل إن الفساد أصبح جزءًا لا يتجزأ من العمل الحكومي
فتوزيع الموارد الاقتصادية وتخصيصها يتم بناءً على المحسوبية والرشوة مما يساهم في تعزيز الفجوة بين الفئات الاجتماعية ويعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مما يجعل الوضع في البلاد أكثر تعقيداً
المؤشرات العالمية لم تعد تحتمل المزيد من التجاهل فمصر تحتل مركزا متدنيا على مستوى الحريات مما ينعكس سلبًا على مكانتها في المجتمع الدولي إذ تؤكد العديد من المنظمات الحقوقية أن الوضع الحقوقي في مصر يشهد تدهوراً مستمراً وباتت الدولة مهددة بفقدان دعم المجتمع الدولي الذي كان يأمل في تغيير جذري في سياسات الحكومة
إجمالا تراجع مؤشر الحريات في مصر لم يكن مجرد حادث عرضي بل هو نتيجة مباشرة لسياسات الحكومة التي أظهرت عدم جدية في التغيير وبات واضحاً أن الفساد والمحسوبية هما الأساسان اللذان يقوم عليهما النظام السياسي ما لم يحدث تغيير جذري يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح سيظل المصريون يعانون من واقع مؤلم تحكمه القوانين القاسية والسياسات القمعية التي لن تحقق أي تقدم في مستقبل البلاد
ويبدو أن الشهور والسنوات القادمة ستحدد مصير الحريات في مصر فهل ستستمر الحكومة في تجاهل هذا التراجع الخطير في حقوق الإنسان أم ستستجيب لصوت المواطنين الذين يتوقون إلى حياة أفضل مليئة بالكرامة والحرية لا يمكن لأحد أن يتجاهل أن مؤشر الحريات يعكس واقعاً مؤلماً يحتاج إلى تحرك عاجل وإصلاحات حقيقية من قبل الحكومة لتحسين الظروف المعيشية للمصريين وفتح المجال أمام الحريات السياسية والمدنية والاقتصادية التي تم سحقها لعقود من الزمن