عمرو هاشم ربيع يكتب : يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. إلى متى تستمر حوادث القطارات والطرق؟
لا زالت حوادث القطارات، وكذلك حوادث السير على الطرق السريعة، تحصد أرواح المصريين. الحوادث من عنفها وشدتها، يشيب لها الولدان، فدماء مئات الأشخاص تنزف كل يوم؛
بسبب أعداد القتلى والمصابين. في أكتوبر الماضي وحده، وقعت ثلاث حوادث قطارات ضخمة: حادث أبو قرقاص وترعة الإبراهيمية، وحادث قطار البدرشين، وحادث قطار الزقازيق، ومع كل هذه الشجون، تكتمل النواكب بحادث الجلالة الذي قتل فيه 12 طالبًا في عمر الزهور، داخل أتوبيس الجامعة.
الكل تحدث، ويتحدث عن أساليب إدارة الأزمات والخَطْب، لكن لا أحدا يحدثنا عن كيفية تجنب الأزمات بداية. صحيح لم نُصح في الأول كي نُفلح في الثاني، لكن ما هو مؤكد بالفعل، أننا فشلنا في الكثير من الأمور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بعبارة أخرى، كان الفرد يأمل على الأقل،
بأن تنجح الحكومة في مجال وتكبو في آخر، أما وإن كل عيشتها كبوات، ومجالات عملها تقضيها، وهي تتعثر في دروب المشكلات، وتنخر في عظامها الأمراض العضال، حتى أنها مردت على المصائب، كل ذلك يجعل الأداء العام سلبي، وكأننا نعيش عصر أبو طيب المتنبي مخاطبًا المصريين وحاكمهم كافور الإخشيدي “يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”.
وفقا للنشرة السنوية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023، فإن أكثر حوادث القطارات (مسئولية هيئة السكك الحديدية ومسئولية الغير) علي مستوى المناطق،
وقعت في منطقة (الوسطى) بعدد 45 حادثة، وأقل عدد في منطقة (شرق دلتا)، وفيه 20 حادثة .وقد بلغ عدد المتوفين في حوادث القطارات (مسئولية الهيئة ومسئولية الغير) 53 متوفى عام 2023، بينما بلغ عدد المصابين 51 مصابا في ذات السنة،
وسجل عدد المتوفين في حوادث القطارات (حوادث الأشخاص) 636 متوفىً خلال نفس العام. بينما بلغ عدد المصابين 398 مصابا في عام 2023 أيضا. أما عدد المتوفين في حوادث القطارات (حوادث العاملين بالهيئة)؛ فبلغ 5 متوفين عام 2023، بينما بلغ عدد المصابين237 مصابا عام 2023 .
ورغم أن النشرة السنوية لحوادث القطارات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أظهرت تراجع عدد حوادث القطارات من 2044 حادثة في العام 2018، قبل تولي المهندس كامل وزير وزارة النقل إلى 181 حادثة في العام 2023. كما انخفض مجموع حوادث القطارات من 7365 حادثة بين 2014 إلى 2018، إلى 2584 حادثة بين 2019 إلى 2023، إلا أن هذا التراجع لم يؤثر في عدد حالات الوفيات بالانخفاض، بل زادت تلك الحالات خلال الفترة بين 2019 إلى 2023، بنسبة أكثر من 600%.
وذلك بعدما زادت حالات الوفاة من 267 حالة وفاة بين (مطلع عام 2014 إلى نهاية عام 2018) إلى 1689 حالة وفاة بين (مطلع عام 2019 إلى نهاية عام 2023) وفق ذات النشرة. بعبارة أخرى، زاد معدل وفيات حوادث القطارات من 4.4 حالات شهريًا خلال الخمس سنوات التي سبقت تولي المهندس كامل الوزير إلى 28 حالة شهريًا خلال فترة توليه الوزارة.
في تقرير صادر عن البنك الدولي بعنوان “مشروع التطوير والسلامة لسكك حديد مصر” ذكر أن سكة حديد مصر نقلت 228 مليون راكب عام 14 /2015، زاد العدد عام 18 /2019؛ فنقلت 270 مليون راكب. هذه الإحصاءات ربما تعني أنها ستنقل عام 2024، ما يربو من 350 مليون راكب.
نقل الركاب يشكل 90% من عمل القطارات، بينما البضائع المنقولة عبرها؛ فتبلغ 10%. وأيام العمل الأسبوعية تنقل خطوط القطارات نحو 1,4 مليون راكب يوميا خلال العام 18 /2019، وهذا الأمر ربما يعني أنها ستنقل العام 2024 نحو 1,8 مليون راكب. الأهم في كل ما سبق، أن تقرير البنك الدولي يقول، إن الحوادث من الخفيفة إلى شديدة الوطأة تتجاوز 1000 حادثة في العام،
وهو معدل يقول التقرير يفوق بـ 5 أضعاف الحوادث الخطيرة في البلدان الأوروبية، و7 أضعاف ما يحدث في المملكة المتحدة، و20 ضعف تلك الحوادث في اليابان.
بالتوازي مع كل ذلك، فإن حوادث السيارات على الطرق السريعة لم تكن أفضل حظا، صحيح أن مستوى جودة الطرق قد ارتفع بشكل ملحوظ خلال الخمس سنوات الماضية، إلا أن حوادث الطرق ارتفعت هي الأخرى. ويبدو أن لزيادة عدد المركبات، الذي بلغ 9,9 ملايين مركبة عام 2022 وفق جهاز التعبئة العامة والإحصاء،
أثره في ذلك. ففي العام 2023 توفي 5861، منهم 4902 من الذكور، ويشمل الرقم 5861: 2199 من عابري الطريق 1442 من السائقين والباقي من الركاب. أما المصابين فبلغ عددهم 71 ألف شخص وهذا العدد 80,5% منهم من الذكور. وضمن مجموع المصابين يوجد 22454 من الركاب، و17553 من المشاة عابري الطريق.
أهم أسباب حوادث القطارات، رغم أن تلك الحوادث قد انخفضت من عام 2022 من 1046 حادثة إلى العام 2023 إلى 181 حادثة فقط، يرجع إلى ثلاثة عوامل. الأول: العامل البشري. هنا يجب القول، إن كل ما سبق يحدث، رغم ما وقعته مصر مع كل من روسيا والمجر من اتفاقات لربط القطارات والجرارات بالأقمار الاصطناعية، ما يجعلها ذات قدرة على التواصل مع غرف التحكم المركزية،
ومن ثم تجنب الأخطاء البشرية. العامل الثاني، عيوب الوحدات المتحركة، وهذه العيوب تظهر، رغم أن 85% من تلك الوحدات تعتمد على الإشارات الميكانيكية، و15% منها فقط يعتمد على أنظمة كهربائية بالية وقديمة. العامل الثالث، أعطال القطارات وعيوب القضبان، وهو أيضا أمر يحدث رغم تعاقد الهيئة لشراء ماكينات فحص القياس الكربوني لاكتشاف الأعطال بالموجات فوق الصوتية،
وتلك الماكينات ذات قدرة على فحص 50 -100كم قضبان يوميا.
أما أهم أسباب حوادث الطرق، فهي السرعة الزائدة عن الحد المسموح، وعدم الالتزام العام بقواعد المرور كالسير عكس الاتجاه، أو تخطي الطرق العكسية من أماكن غير مشروعة، أو الانشغال بغير الطريق كاستخدام الهواتف الجوالة بشكل ملفت، أو عدم استخدام حزام الأمان مما يضاعف من حجم الإصابة،
أو تعاطي قائد السيارة المواد المخدرة في الكثير من حوادث سيارات النقل الثقيل (مرخص منها 1301200 سيارة عام 2022)، أو المواد الكحولية في بعض حوادث السيارات الخاصة،
أو قيادة المراهقين للسيارات. وأخيرا هنالك سوء حالة الطرق، وبالأخص عدم الإنارة أثناء الليل. أو عدم اتباع المنشأة مالكة الحافلة قواعد الوقاية من الحوادث، وهو ما يتبين بشكل ظاهر في حادث أتوبيس الجلالة.
ما العمل لوقف نزيف الدم والممتلكات بسبب تلك الحوادث؟
في حوادث القطارات يبدو الأمر معقدا، لأنه في كل يوم تطالعنا الصحف عن نجاح يلي أخيه، بسبب الاستعانة بمنظومة التطوير والابتكار والميكنة والإنذار الإلكتروني، وكلها وغيرها أشياء، أنهكت الهيئة بالديون (وصلت إلى 570 مليون جنيه حسب أشرف رسلان رئيس الهيئة الأسبق)،
لكن كأننا نحرث في الماء، لا يوجد عائد مجزي؛ لتجنب الحوادث رغم قلة عددها عام 2023. وما يزيد غضب الناس، أنه لا مسئولية سياسية تنعقد تجاه رئيس حكومة أو وزير النقل، بل تعلق المشانق للسائقين ومساعديهم.
واحد من أهم عوامل نجاح منظومة السكك الحديدية، هو العمل الدؤوب لإلغاء العنصر البشري في المنظومة برمتها، مهما كانت كفاءتها، وبها ربما تنتهي مسألة تصادم القطارات ومشكلات السائقين ومديري السيمافورات (الإشارات).
ما يتطلب أيضا، هو التعامل بقدر أكبر من الصرامة مع المتصلين بالقطار من الخارج، ويعنى بهؤلاء عابري المزلقانات، ومن يقيم الأسواق حول محطات التوقف.
أما حوادث السيارات، فمشكلتها الرئيسة تتمثل في عدم وجود رادع قانوني كاف. لنا أن نتخيل أن القيادة بدون حزام أمان، يعرض السائق لمخالفة 50 جنيها، وإذا كانت رخصة السيارة أو القيادة منتهية أو قيادة السيارة بسرعة زائدة؛ فالعقوبة تكون 3 أشهر حبس أو الغرامة التي تتراوح من 100-500 جنيه.
أما القيادة تحت تأثير مخدر؛ فالحبس ذات المدة أو الغرامة 500 -1000 جنيه أو كلتا العقوبتين. الأمر المهم أن القانون يحتاج إلى محاكاة القوانين الدولية بخصم النقاط حال المخالفة، بحيث تنتهي علاقة الشخص بالقيادة، إذا وصل لعدد نقاط محددة من المخالفات.
أيضا من المهم للغاية تجنب إهمال الرقابة على حافلات الركاب الخاصة التي تمتلكها مؤسسات العمل المختلفة، وعدم الترخيص لتلك المؤسسات بالعمل كلية قبل اتباع احتياطات محددة. ففي حادث الجلالة مثلا، أهملت الدولة رغم ارتفاع نفقات التعليم عدم وجود إسكان للطلبة،
ما أجبرهم على استخدام الطرق السريعة يوميا للعودة مسافة 120كم، هي المسافة بين الجامعة والقاهرة. كذلك من المهم تأسيس خدمات صحية بالطرق، إذ أنه من غير المعقول أن نطور الطرق بالكافيتريات وأماكن الملاهي والأبراج الأيقونية، وأطول مئذنة وأكبر كنيسة وغيرها، ولا نطورها بالخدمات الصحية والعلاجية لعلاج حالات حوادث الطرق.
كل ما سبق هو ضروري؛ حتى لا تتكرر الحوادث المأساوية، ونذرف الدموع على أعزاء لنا، فقدوا حياتهم لرعونة حكومة أو أخطاء مجتمع.