تريليون و293 مليار دولار دخلت مصر .. أين ذهبت الأموال في ظل الفساد الحكومي
في قلب الأزمات الاقتصادية والمعاناة اليومية التي يواجهها المواطن المصري تظهر بيانات صادمة يكشف عنها الجهاز المركزي للإحصاء تشير إلى أن مصر استقبلت تريليون و293 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية
في وقت كانت الحكومة فيه تعد العدة لإصلاحات كبرى وفرت من خلالها الوعد بتحسين حياة المواطنين إلا أن النتائج كانت كارثية وشائكة تظهر مدى الفساد والتقاعس الحكومي على كافة الأصعدة
على الرغم من حجم الأموال المهول الذي دخل البلاد إلا أن المواطن المصري لا يزال يعاني من غلاء الأسعار والفقر المتزايد وتراجع مستويات المعيشة بشكل غير مسبوق
مما يثير تساؤلات مشروعة حول أين ذهبت هذه الأموال ولماذا لم تشعر بها الجماهير وهي تبحث عن لقمة العيش اليومية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد إذ يكشف التقرير عن أن الحكومة أخفقت بشكل كبير في إدارة هذه الموارد الهائلة
وكأن الأرقام وحدها لا تكفي لتجسيد الفشل الحكومي فإنه من المثير للاهتمام أن جزءا من هذه الأموال جاء من مشروعات شديدة الجدلية مثل مشروع بناء العاصمة الإدارية الجديدة الذي كلف الدولة نحو 50 مليار دولار وهو مشروع أثار الكثير من الجدل حول جدواه
في وقت تعاني فيه البنية التحتية في العديد من المناطق في البلاد من الإهمال الشديد إذ يتم إنفاق مليارات الدولارات على مشروعات لا تحقق الفائدة المرجوة للمواطن المصري
ومن الغريب أن الحكومة تسعى لتحقيق التقدم والتنمية من خلال هذه المشروعات دون أن تتطرق إلى حل الأزمات المتزايدة مثل البطالة التي تتزايد أعدادها بشكل متسارع على الرغم من وجود آلاف المشاريع التي تم الإعلان عنها
فمنذ بداية الألفية الجديدة وحتى الآن كان هناك أكثر من 20.5 مليار دولار تم استثمارها في منجم السكري لكن الغريب هو أن هذه الاستثمارات لم تترجم إلى تحسينات ملموسة على مستوى حياة المواطنين العاملين في هذه المشاريع بل بالعكس قد زادت الفجوة الاجتماعية بين الطبقات
بينما يتجول المواطن في الشوارع ويشاهد التباين الفاضح بين الرفاهية المزعومة التي تعيشها فئة قليلة والظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها الأغلبية الغالبة
فإن هذا يعكس بوضوح الفساد المستشري الذي يعيق التقدم الحقيقي إذ إن الحكومة لا تقدم أية إجابات عن كيفية إدارة هذه الأموال ومن يستفيد منها في النهاية
ولعل أحد أبرز مظاهر الفساد هو غياب الشفافية في إدارة المشاريع العامة حيث تبقى المعلومات مغلقة أمام الجمهور ما يزيد من القلق حول كيفية إنفاق هذه الأموال الهائلة
مما يخلق بيئة من الشكوك والاتهامات المتبادلة حيث تتزايد الأصوات المطالبة بالكشف عن الحقائق وفتح ملفات الفساد التي يعتقد كثيرون أنها تغرق في عتمة الفساد الحكومي
إن الحراك الشعبي الذي شهدته مصر في السنوات الأخيرة كان مؤشرا واضحا على تفشي السخط بين المواطنين على الوضع الراهن وقد تزامن ذلك مع تدهور الأوضاع الاقتصادية
حيث كان من المتوقع أن تنعكس الأموال المستثمرة في مشاريع التنمية على الحياة اليومية للمواطن ولكن بدلاً من ذلك شهدنا تصاعدا في الأسعار وزيادة في الضرائب ما أضاف إلى معاناة المصريين بدلا من تخفيف الأعباء عن كاهلهم
وفي ظل هذا الوضع المأساوي فإنه من الضروري أن نطرح تساؤلات حقيقية حول آلية إدارة هذه الأموال ولماذا لم يتم تطوير نظام رعاية اجتماعية فعال يمكن أن يقدم الدعم الحقيقي للمحتاجين ويرتقي بمستوى حياة المواطن بدلاً من الفوضى الحالية التي يعاني منها الجميع
من الضروري أن تكون هناك محاسبة حقيقية للحكومة الحالية ولمن هم في مواقع اتخاذ القرار ليتحملوا المسؤولية أمام الشعب الذي عانى طويلا من الفساد والإهمال الذي ضرب كافة مفاصل الدولة
لذا فإنه يجب على الشعب أن يستعيد حقه في المعرفة ويطالب بالمعلومات الدقيقة حول كيفية إنفاق الأموال العامة وأين تذهب
باختصار إن التحديات التي تواجه مصر تتطلب وقفة جادة من جميع الأطراف بما في ذلك المواطنين والمجتمع المدني ووسائل الإعلام للمطالبة بالشفافية والمحاسبة ونشر الحقائق بدلاً من السكوت على الفساد الذي أصبح جزءاً من النسيج الحكومي ما لم يكن هناك تحرك فعلي لتحقيق التغيير
فإن الأمل في مستقبل أفضل سيبقى بعيد المنال وسط هذا الوضع المعقد الذي لم يعد يحتمل المزيد من التهاون والإهمال من قبل الحكومة
الوقت حان لتقف الدولة أمام مسؤولياتها وتبدأ في إعادة توجيه الأموال الضخمة التي تتلقاها نحو تنمية حقيقية يشعر بها المواطنون في حياتهم اليومية قبل أن تتحول هذه الأرقام الفلكية إلى مجرد أرقام على الورق دون أي أثر ملموس في حياة الناس