إن ما شهدته مصر مؤخراً من رفع تصنيفها الائتماني من “بي سالب” إلى “بي” بفضل وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، يبدو كإنجاز ولكن هذه الخطوة لا تعكس واقعاً مستقراً بل تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بسوء الإدارة والفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة.
ورغم الإيجابية الظاهرة في هذا التصنيف، إلا أن الثغرات والعيوب التي تعاني منها المالية العامة تظل تشكل عائقاً كبيراً أمام مستقبل الاقتصاد المصري.
تُشير وكالة فيتش إلى أن زيادة التمويل الخارجي كانت نتيجة للاستثمار الأجنبي، والذي يأتي غالباً في سياق مشاريع مريبة يتساءل الكثيرون عن مدى شفافيتها وفعاليتها.
إن تدفقات الأموال التي تُدخلها المؤسسات المالية الدولية إلى السوق المصري لا يمكن اعتبارها دليلاً على الاستقرار، بل تعكس فقط حاجة الحكومة الماسة إلى دعم خارجي بسبب تفشي الفساد وتدهور الأوضاع المالية.
إن الاعتماد على الاستثمارات الخارجية دون وجود خطة واضحة لإصلاح الأوضاع الداخلية هو بمثابة خطوة نحو الهاوية، ولا يعكس أي رؤية طويلة الأمد.
وبينما تسجل الوكالة ثقة متزايدة في سياسة سعر الصرف الأكثر مرونة، فإن هذا الادعاء يظل مجرد حديث لا يغير من الواقع شيئاً. إذ لا يمكن الاعتماد على سياسة سعر صرف من دون إجراء إصلاحات حقيقية وشاملة، وهذا ما يفتقده الاقتصاد المصري في الوقت الراهن.
المخاطر المحيطة بالمالية العامة لا تزال مرتفعة، ورفع التصنيف الائتماني لم يكن سوى ردة فعل للظروف الخارجية أكثر من كونه مؤشراً على نجاح الحكومة في إدارة موارد البلاد.
تتحدث الأرقام عن عبء الدين المحلي الذي بلغ مستويات قياسية، ورغم ما تروج له الحكومة من تحسن في الأوضاع، فإن المواطن المصري لا يزال يعاني من ضغوط اقتصادية هائلة نتيجة للسياسات الخاطئة والفساد المستشري.
الأوضاع المعيشية تزداد سوءاً، والنفقات الحكومية تتزايد بشكل غير مبرر، ما ينذر بكارثة مالية على المدى القريب. إن التوقعات بانخفاض عبء الفائدة على الدين المحلي تعكس فقط تحايلاً على الأرقام، بينما تظل الحقيقة أن الأزمة مستمرة وأن الحكومة عاجزة عن إيجاد حلول جذرية.
إن وضع الاقتصاد المصري يزداد تعقيداً بسبب الفساد المتفشي، الذي يؤثر على جميع جوانب الحياة. فالاستثمارات الأجنبية التي يُحتفى بها قد تذهب إلى جيوب الفاسدين بدلاً من أن تُستخدم لتحسين البنية التحتية وتوفير فرص العمل.
إن ارتفاع معدلات البطالة والفقر بين المواطنين يعكس عدم قدرة الحكومة على توظيف هذه الاستثمارات بشكل فعال، مما يطرح تساؤلات عدة حول مدى قدرة الحكومة على توفير بيئة مستقرة للمستثمرين.
تتجه الأنظار الآن إلى كيفية تعامل الحكومة مع التحديات المقبلة، ولكن إن لم تتخذ خطوات جادة لمكافحة الفساد وتحسين إدارة المالية العامة، فإن التصنيف الائتماني الجديد لن يكون أكثر من قناع يخفي واقعاً مريراً.
إن استمرار الفساد وعدم المحاسبة قد يقود البلاد إلى المزيد من الانهيار الاقتصادي، مما يجعل من الضروري إعادة تقييم السياسات الحالية وإجراء تغييرات جذرية في طريقة إدارة الدولة.
إن الوضع الراهن يتطلب وقفة جادة من جميع الجهات المعنية في مصر، بداية من الحكومة وصولاً إلى المجتمع المدني، للضغط من أجل تطبيق الإصلاحات اللازمة.
إن إنقاذ الاقتصاد المصري من هاويته يتطلب تكاتف الجهود وتبني رؤية واضحة ومبدئية للقضاء على الفساد وتعزيز الشفافية في جميع المؤسسات.
فالحقيقة المرة هي أن الحكومة الحالية، على الرغم من التصنيفات الائتمانية المحسنة، لا تزال تُظهر تقاعساً غير مبرر في مواجهة التحديات الحقيقية التي تواجه البلاد.
إن أزمة مصر المالية لا تكمن في تصنيف ائتماني فحسب، بل في نظام إداري يحتاج إلى ثورة حقيقية وإعادة هيكلة، وإلا ستظل البلاد تعاني من تداعيات الفساد والفشل الإداري الذي ينذر بكارثة أكبر.
وإن التصنيف الائتماني الجديد قد يكون علامة على الأمل، ولكن الحقيقة هي أن الفساد والتقصير الحكومي يعكسان واقعاً مختلفاً تماماً.
ولتجنب المزيد من الانهيار، يتعين على الحكومة المصرية أن تعيد التفكير في استراتيجياتها وأن تكون شجاعة بما يكفي لمواجهة الفساد وفتح المجال لإصلاحات جذرية، لأن المستقبل الحقيقي لمصر يعتمد على شفافيتها وقدرتها على إدارة مواردها بشكل يتماشى مع احتياجات الشعب.