يحتفل العالم في الثاني من نوفمبر كل عام باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الصحفيين، وهو يوم يهدف إلى التذكير بأهمية المساءلة والعدالة لمن يُعتدى على حريتهم وحقوقهم الإنسانية أثناء أدائهم لواجبهم. مع تزايد وتيرة الاعتداءات على الصحفيين في العالم العربي، يُطرح السؤال الملحّ عن مدى فعالية المجتمع الدولي في مواجهة الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها الصحفيون، وعن الأدوات القانونية المتاحة للتصدي لهذه الانتهاكات وحماية الإعلاميين.
أوضاع الصحفيين في العالم العربي: إحصائيات مقلقة
وفقاً للتقارير الدولية، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصنف من أخطر المناطق على حياة الصحفيين، حيث تتعرض حياتهم وحقوقهم للخطر باستمرار. وطبقاً لتقرير “مراسلون بلا حدود” لعام 2023، يُقتل عشرات الصحفيين سنوياً أثناء أدائهم عملهم، ويقع العديد منهم ضحايا الاعتقالات التعسفية والتعذيب والإخفاء القسري. الأرقام الصادمة تعكس عمق الأزمة؛ فعلى سبيل المثال، سُجلت خلال السنوات الأخيرة مئات الحالات للصحفيين المعتقلين في مختلف البلدان العربية، ووفقاً للتقارير، قُتل أكثر من [عدد الصحفيين المقتولين في العالم العربي] صحفي في العقد الماضي، في الوقت الذي تعرض فيه آخرون لضغوط وتهديدات يومية من قبل الأنظمة الأمنية والسياسية.
دور الأنظمة الديكتاتورية في قمع الصحافة
تلجأ الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي إلى سياسات قمعية لقمع الصحفيين وتكميم الأفواه. وقد استخدمت هذه الأنظمة الاعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة، والتعذيب كوسائل لكتم أصوات الصحفيين ومنعهم من نشر الحقائق، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، والفساد الحكومي، والمظالم الاجتماعية. وعلى الرغم من أن الدساتير في بعض الدول العربية تضمن حرية الصحافة من الناحية النظرية، إلا أن هذه الحرية تتلاشى على أرض الواقع بسبب القوانين الاستثنائية والمحاكمات الخاصة التي تُستخدم للالتفاف حول تلك الحقوق.
إن الصحافة الحرة تُعد أحد الأسس الرئيسية لبناء مجتمعات ديمقراطية، إذ تساهم في توعية الرأي العام ومساءلة الأنظمة الحاكمة. ولكن في ظل الأنظمة الاستبدادية، يُنظر إلى الصحفيين على أنهم أعداء يجب إخماد أصواتهم، خشية أن يعرضوا ما يجري خلف الكواليس من انتهاكات وأعمال قمع للعلن. يُعد هذا السلوك انتهاكاً صارخاً للحقوق الأساسية، بل ولحق المجتمعات في الوصول إلى المعلومات الحقيقية.
الاحتلال الإسرائيلي وقمع الصحفيين الفلسطينيين
إلى جانب الأنظمة القمعية في العالم العربي، تواجه الصحافة الفلسطينية خطراً كبيراً من جراء الممارسات الإسرائيلية التي تستهدف الصحفيين وتقيّد حريتهم. تشير تقارير منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تستهدف الصحفيين بشكل مباشر، مما يؤدي إلى مقتل وجرح عدد من الإعلاميين أثناء تغطيتهم للأحداث في الأراضي المحتلة. وتتعرض المؤسسات الإعلامية الفلسطينية للإغلاق والمصادرة، بينما يعاني الصحفيون من الاعتقالات المتكررة والترهيب، في محاولة لإسكات صوتهم ونقلهم للحقيقة حول الانتهاكات اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
يمثل استهداف الصحفيين الفلسطينيين انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر على قوات الاحتلال استهداف المدنيين، ومن ضمنهم الإعلاميين، ويفرض حماية خاصة لهم في مناطق النزاع. إن هذا النوع من الانتهاكات يعكس استراتيجية واضحة لإخماد الإعلام المستقل وتضييق مجال العمل الصحفي، وهو ما يُعد جزءاً من سياسات طويلة الأمد تهدف إلى إخفاء حقائق الاحتلال والانتهاكات الممنهجة.
أهمية حماية الصحفيين وفق القانون الدولي
تُعتبر حماية الصحفيين إحدى الأسس التي يستند إليها النظام الدولي القائم على حقوق الإنسان وحرية التعبير. وقد كفلت القوانين الدولية والتشريعات حق الصحفيين في ممارسة عملهم بحرية وأمان، ونصت على ضرورة حمايتهم من الاعتداءات والترهيب. ومن بين هذه القوانين:
1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): نصت المادة 19 منه على حق الجميع في “التماس المعلومات وتلقيها ونقلها”، مما يشكل أساساً لحماية حرية الصحافة والعمل الصحفي.
2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966): تضمن المادة 19 كذلك حماية حرية التعبير وحق نقل المعلومات دون تقييد، وهي حقوق أساسية تكفل سلامة الصحفيين وتمكنهم من أداء عملهم بحرية.
3. اتفاقيات جنيف (1949) والبروتوكولات الإضافية: تمنح الصحفيين في مناطق النزاع حماية خاصة باعتبارهم مدنيين، وتمنع استهدافهم بشكل مباشر أثناء تأدية عملهم، مما يفرض على الدول الالتزام بحمايتهم من جميع أنواع الهجمات.
4. قرار مجلس الأمن 2222 (2015): يشدد هذا القرار على أهمية حماية الصحفيين في مناطق النزاع ويطالب بمحاسبة مرتكبي الجرائم ضدهم، كما يدعو إلى اتخاذ إجراءات لضمان بيئة آمنة للإعلاميين.
5. ميثاق الأمم المتحدة: ينص ميثاق الأمم المتحدة على حماية حقوق الإنسان وتشجيع احترامها، بما في ذلك حرية الصحافة وحق الأفراد في الحصول على المعلومات دون خوف أو اضطهاد. يمثل هذا الميثاق إطاراً دولياً للحماية التي يتوجب على الدول الأعضاء الالتزام به.
الحاجة إلى تفعيل القانون ومكافحة الإفلات من العقاب
رغم وجود تلك القوانين الدولية والتشريعات، فإن المشكلة الأساسية تكمن في عدم تطبيقها الفعلي، خاصة في المناطق التي تسيطر فيها الأنظمة الديكتاتورية أو تحتلها قوى خارجية. إن الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الصحفيين هو ما يشجع على استمرار هذه الانتهاكات ويزيد من حدة المخاطر على حياة الصحفيين. ولذلك، فإن الضغط الدولي ومساءلة المسؤولين عن هذه الجرائم أصبح ضرورة ملحة.
في اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الصحفيين، يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته ويعمل على تفعيل القوانين الدولية واتخاذ خطوات عملية لضمان حماية الصحفيين في جميع أنحاء العالم. يجب أن يكون هناك جهد مشترك لفرض آليات فعالة للمساءلة، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للصحفيين الذين تعرضوا لانتهاكات، والعمل على ضمان حريتهم في تأدية عملهم دون خوف من القمع أو الاعتداء.
اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم ضد الصحفيين: ضرورة الالتزام بالقانون الدولي لحماية الإعلاميين
إن حماية الصحفيين ليست مجرد واجب أخلاقي؛ بل هي ضرورة لضمان حرية التعبير وتعزيز الشفافية في المجتمعات. وفي الوقت الذي تتعرض فيه الصحافة لضغوط كبيرة في مناطق الصراع وتحت أنظمة الحكم القمعية، يبقى الأمل معقوداً على تفعيل القوانين الدولية ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين. إن الالتزام بحماية الصحفيين وفق القوانين الدولية يمثل خطوة مهمة نحو بناء عالم يحترم حقوق الإنسان ويدعم حرية الإعلام كركيزة أساسية لتحقيق العدالة والتنمية.