وسط تصاعد الصراع وسفك الدماء، تتجه الأنظار إلى الشرق الأوسط حيث يبذل المجتمع الدولي جهوداً محمومة للتوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن الأمل في تهدئة قريبة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية يبدو ضعيفاً إلى حد كبير.
وهذا ما أكده العديد من المحللين والمسؤولين، وسط فشل الجهود الدولية والإقليمية في التوصل إلى هدنة بين الجانبين.
في تقرير صدر مؤخراً عن صحيفة نيويورك تايمز، تم تسليط الضوء على مفاوضات مكثفة جرت في العاصمة القطرية الدوحة، حيث شارك فيها مبعوثون من إسرائيل والولايات المتحدة ومصر وقطر.
كان هدف هذه المحادثات هو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أن الأطراف لم تحقق تقدماً يذكر، بل على العكس، فإن حماس كانت واضحة في رفضها لأي وقف مؤقت لإطلاق النار، مما جعل احتمالات التوصل إلى اتفاق قريب شبه معدومة.
أحد أبرز النقاط في التقرير كان رفض حماس لفكرة وقف إطلاق النار المؤقت، وهو ما ظهر جلياً بعد رفض مسؤول كبير في الحركة مقترحاً مصرياً لوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة.
وكان المقترح المصري يقضي بإطلاق سراح أربعة رهائن إسرائيليين تحتجزهم حماس مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. رفض حماس لهذا المقترح يعكس صلابة موقفها واستعدادها للمضي قدماً في مواجهة مفتوحة رغم الضغوط الدولية.
وفي خطوة متزامنة، أكد أسامة حمدان، القيادي في حركة حماس، أنه لا يوجد أي توافق حتى الآن على وقف دائم لإطلاق النار، ما أثار خيبة أمل كبيرة لدى الأطراف الدولية التي كانت تأمل في أن يؤدي مقتل القيادي في الحركة يحيى السنوار إلى تغيير في موقف حماس التفاوضي.
وهذه التصريحات جاءت لتدحض الآمال التي كانت معلقة على أن زوال السنوار سيحدث انشقاقاً في صفوف حماس أو يخفف من حدة موقفها الصارم تجاه التفاوض مع إسرائيل.
من ناحية أخرى، قال مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو إن المبعوث الإسرائيلي الرئيسي ديفيد برنياع، رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد”، عاد من الدوحة بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدها مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز ومسؤولين قطريين رفيعي المستوى، بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وكانت هذه الاجتماعات تتركز حول إمكانية التوصل إلى “إطار جديد وموحد” لوقف إطلاق النار، إلا أن النتائج لم تكن ملموسة بعد، وما زال الغموض يحيط بإمكانية حدوث أي تقدم فعلي في هذا الملف.
برنياع، الذي عاد إلى إسرائيل وسط أجواء من الترقب، لم يحمل معه أي إشارات واضحة إلى إمكانية إحراز تقدم سريع في المفاوضات.
وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات، فإن الأطراف ما زالت بعيدة عن الاتفاق حول الشروط الرئيسية لوقف إطلاق النار، وهو ما يجعل أي حديث عن هدنة قريبة قبل الانتخابات الأمريكية أمراً غير واقعي في الوقت الراهن.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن بيرنز غادر الدوحة بعد الاجتماعات المتوترة، ومن المتوقع أن يتوجه إلى القاهرة في وقت لاحق من هذا الأسبوع في محاولة لإنعاش المفاوضات مع الأطراف الإقليمية. إلا أن فرص النجاح في القاهرة تبدو ضئيلة، خصوصاً في ظل المواقف المتصلبة من كلا الجانبين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجهود الدولية لم تتوقف عند الساحة الفلسطينية فقط، إذ أكد التقرير أن الوسطاء الأمريكيين يسعون أيضاً هذا الأسبوع لتهدئة الأوضاع على الجبهة اللبنانية، حيث تتزايد المخاوف من اشتعال جبهة جديدة بين إسرائيل وحزب الله. إلا أن تعقيدات الملف اللبناني تضيف عبئاً إضافياً على الجهود الدبلوماسية المتعثرة بالفعل في قطاع غزة.
وفي ظل هذه المعطيات، بات من الواضح أن الصراع بين إسرائيل وحماس لا يزال مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وأن إمكانية التوصل إلى هدنة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية تبدو مستبعدة للغاية.
فحماس تواصل التشبث بموقفها الرافض لأي تهدئة مؤقتة دون تحقيق مطالبها بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، فيما تواصل إسرائيل بدعم من حلفائها الدوليين الضغط على الحركة، سواء من خلال التصعيد العسكري أو عبر المناورات الدبلوماسية.
وتبدو الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مسار هذا الصراع، إلا أن المؤشرات الحالية لا تحمل الكثير من التفاؤل. فقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، وكل طرف يبدو أكثر إصراراً على موقفه.
وبينما يسعى الوسطاء الدوليون إلى إيجاد حل دبلوماسي، فإن الوضع على الأرض يزداد سوءاً، مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية والردود الصاروخية من جانب حماس، مما يعمق من معاناة المدنيين في قطاع غزة الذين يدفعون ثمن هذا الصراع الدامي.
وأن الوضع في غزة والشرق الأوسط بشكل عام يقف على حافة الهاوية، وكل الجهود الدولية تبدو عاجزة عن وقف نزيف الدماء أو تهدئة الأوضاع قبل الانتخابات الأمريكية.
ومع اقتراب هذا الموعد الحاسم، يبدو أن الجميع في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، في ظل تعنت الأطراف وتباعد المواقف.