تقاريرحقوق وحريات

6 سنوات من التعسف: كيف تواطأت الحكومة المصرية في إطالة معاناة هدى عبدالمنعم

في ظل تصاعد الاحتجاجات الدولية على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، تبرز قضية المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان هدى عبد المنعم كرمز صارخ للتعسف والقمع الذي تمارسه السلطات المصرية.

بعد ست سنوات من الاحتجاز التعسفي، وبعد انقضاء العقوبة المزعومة، لا تزال هدى عبد المنعم تقبع في السجن تحت ظروف كارثية تشكل وصمة عار على جبين النظام المصري الذي يستمر في انتهاج سياسات قمعية لا تعرف حدوداً.

السلطات المصرية، التي تتفاخر بإنجازات وهمية وتدعي العمل على تحسين الأوضاع الداخلية، تستمر في التفنن في التنكيل بمن يناضل من أجل حقوق الإنسان، بينما تتجاهل صرخات العالم وتدير ظهرها للقوانين الدولية والمحلية على حد سواء.

هدى عبد المنعم، المحامية التي أفنت حياتها في الدفاع عن المظلومين والمستضعفين، وجدت نفسها في قلب دوامة من الانتهاكات القانونية التي تعكس الفساد المستشري في النظام القضائي المصري.

حملة “الحرية لـ هدى عبد المنعم” و22 منظمة حقوقية من مصر والعالم العربي والدولي أدانت بشدة استمرار احتجازها غير القانوني، مطالبة بالإفراج الفوري عنها، مشيرة إلى التدهور الحاد في حالتها الصحية داخل محبسها.

ومع ذلك، لا تزال الحكومة المصرية تتعامل مع هذه المناشدات الإنسانية بلا مبالاة، وكأن حياة الأفراد ليست سوى أداة تستخدمها لفرض سيطرتها وتصفية حساباتها السياسية.

انتهاكات متكررة للقانون والدستور

يأتي احتجاز هدى عبد المنعم، الذي بدأ منذ 6 سنوات، كجزء من مسلسل مستمر من الانتهاكات التي تتجاوز كل معايير العدالة.

فرغم انتهاء مدة العقوبة البالغة خمس سنوات في 31 أكتوبر 2023، والتي أصدرتها محكمة أمن الدولة طوارئ بناءً على اتهامات ملفقة ضمن القضية رقم 1552 لسنة 2018، والمعروفة بقضية التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، قررت السلطات التلاعب بمصير هدى عبر إعادة تدوير الاتهامات نفسها في قضية جديدة، في تصرف يتسم بالعبثية والاستهانة بالعدالة.

هذه الاتهامات المزعومة، التي تتعلق بـ”الانضمام لجماعة إرهابية وتمويل الإرهاب”، هي ذات التهم التي سبق وأن حصلت هدى على البراءة منها، لكن الحكومة لا تعترف بأبسط المبادئ القانونية مثل عدم محاكمة الشخص عن التهم ذاتها مرتين، كما ينص عليه المادة 101 من قانون الإثبات والمادة 116 من قانون المرافعات.

إن هذا التحايل الصارخ على القانون، الذي يأتي تحت مسمى “تدوير القضايا”، أصبح سلاحاً تستخدمه السلطات المصرية لتدمير حياة الأبرياء وتعطيل العدالة.

فبدلاً من أن يتم الإفراج عن هدى فور انتهاء عقوبتها، قررت الحكومة إعادتها إلى السجن دون وجه حق، في تحدٍّ سافر للقوانين الوطنية والدولية، وفي إشارة واضحة إلى أن النظام لا يخضع لأي نوع من الرقابة أو المحاسبة.

التدهور الصحي وغياب الرعاية

تتعرض هدى عبد المنعم لظروف احتجاز مروعة داخل السجن، حيث تشير التقارير إلى أن حالتها الصحية قد تدهورت بشكل خطير خلال فترة احتجازها.

وعلى الرغم من المناشدات المتكررة التي أطلقتها منظمات حقوق الإنسان للإفراج عنها لأسباب إنسانية، تصر السلطات المصرية على تجاهل تلك الدعوات، معرضة حياتها للخطر.

وبحسب بيان المنظمات الحقوقية، فإن هدى، التي تبلغ من العمر 63 عاماً، تعاني من مشكلات صحية جسيمة تفاقمت نتيجة لظروف الاحتجاز السيئة، مما يضع حياتها على المحك.

إن هذا التدهور الصحي الذي تعيشه هدى عبد المنعم ليس حالة فردية، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تتبعها السلطات المصرية تجاه المعتقلين السياسيين، الذين يُحرمون من الرعاية الصحية ويُتركون لمصيرهم المجهول داخل السجون.

هذه الممارسات ليست فقط انتهاكاً صارخاً للقوانين المحلية، ولكنها تشكل جريمة بحق الإنسانية وفق المعايير الدولية. الحكومة المصرية، في حين تتحدث عن التزامها بحقوق الإنسان، تستمر في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق مواطنيها، دون أن تخضع لأي نوع من المساءلة أو العقاب.

تواطؤ القضاء وغياب العدالة

إن ما يجري مع هدى عبد المنعم يمثل صورة مصغرة للكارثة الأكبر التي يعاني منها النظام القضائي المصري، حيث أصبحت المحاكم جزءاً من آلة القمع الحكومية.

فبدلاً من أن تكون حامية للحقوق وضامنة للعدالة، تحولت إلى أداة تستخدمها الحكومة لتصفية الحسابات مع معارضيها.

محكمة أمن الدولة طوارئ، التي أصدرت الحكم بحق هدى، هي محكمة استثنائية تفتقر إلى أدنى معايير العدالة، إذ تعتمد في أحكامها على اتهامات ملفقة وشهادات مشبوهة، ولا تعترف بالحق في الدفاع أو الطعن.

وهنا يطرح السؤال الأهم: كيف يمكن أن يستمر هذا التجاهل الصارخ للقوانين دون تدخل حقيقي من المجتمع الدولي؟ إن الحكومة المصرية تعلم جيداً أن القضاء الدولي لا يملك أدوات كافية لإجبارها على التراجع عن ممارساتها القمعية، وتستغل هذا الضعف لتمرير أجندتها الاستبدادية.

ومن المؤسف أن الدول التي تدعي التزامها بحقوق الإنسان تلتزم الصمت في مواجهة هذه الانتهاكات، مكتفية بإصدار بيانات تفتقر إلى أي نوع من الضغط الفعلي.

ماذا بعد؟

إن قضية هدى عبد المنعم هي مجرد حلقة واحدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي ترتكبها السلطات المصرية بحق مواطنيها.

إن استمرار هذا النهج القمعي يثير تساؤلات خطيرة حول مستقبل حقوق الإنسان في مصر، في ظل نظام لا يعترف بالقوانين ولا يحترم الحقوق الأساسية للمواطنين.

هل سيستمر المجتمع الدولي في تجاهل هذه الانتهاكات؟ وهل ستبقى الحكومة المصرية بمنأى عن أي محاسبة؟

في ظل هذه الأوضاع الكارثية، يبقى الحل الوحيد هو التحرك الفوري من قبل المنظمات الدولية والدول ذات النفوذ للضغط على الحكومة المصرية لإنهاء هذه الانتهاكات، وإطلاق سراح هدى عبد المنعم وكافة المعتقلين السياسيين.

الحرية لهدى عبد المنعم ليست مجرد شعار، بل هي مطلب إنساني وقانوني يجب على الجميع الدفاع عنه بكل الوسائل الممكنة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى