موزمبيق تنتفض لأول مرة في تاريخها ضد الحكم العسكري والمطالبة بإسقاط النظام
تشهد موزمبيق في هذه اللحظات حدثًا تاريخيًا غير مسبوق، حيث انتفض الشعب لأول مرة منذ استقلال البلاد للمطالبة بإسقاط نظام الحكم العسكري القمعي الذي هيمن على السياسة والاقتصاد لعقود طويلة
الشعب الموزمبيقي الذي طالما كان يعيش تحت وطأة حكم عسكري مستبد قرر أن يثور ويخرج إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة وغير مسبوقة يهتف فيها بإسقاط النظام وإبعاد الجيش عن الحياة السياسية والاقتصادية البلاد التي كانت تبدو هادئة أصبحت اليوم ساحة لمطالبات مدوية بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والانتهاكات الحقوقية
منذ أن حصلت موزمبيق على استقلالها من الاستعمار البرتغالي في عام 1975 وهي ترزح تحت سيطرة الجيش الذي بسط نفوذه على كل مفاصل الدولة وتحت ستار حماية الأمن القومي استحوذ العسكر على السلطة السياسية والاقتصادية وأصبحوا الحاكم الفعلي لكل ما يحدث داخل البلاد
وما بين الوعود الزائفة بالإصلاح وبين الواقع المرير عاش الشعب في ظل حكومات عسكرية متتالية لا تختلف عن سابقتها في الفساد والاستبداد اليوم يخرج الآلاف من المواطنين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والديمقراطية والتخلص من الهيمنة العسكرية التي أرهقت البلاد لعقود
المظاهرات التي اندلعت في العاصمة مابوتو والمدن الكبرى الأخرى جاءت نتيجة تراكمات طويلة من القهر والظلم حيث أن الوضع الاقتصادي المتدهور والبطالة المرتفعة والفقر المدقع كل ذلك زاد من حنق المواطنين وجعلهم غير قادرين على الصمت أكثر
مما كانوا عليه خاصة مع تصاعد الحديث عن الثروات الطبيعية الهائلة التي تمتلكها البلاد وعدم استفادة الشعب منها بأي شكل الجيش المسيطر على تلك الثروات بات رمزا للفساد والإثراء على حساب الشعب المطحون
تأتي هذه الاحتجاجات في وقت حساس للغاية بالنسبة لموزمبيق فالحكومة الحالية التي تسيطر عليها القيادات العسكرية تواجه ضغوطا دولية متزايدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان واعتقال المعارضين السياسيين واستمرار قمع حرية التعبير والتجمع
ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات يواجه النظام العسكري اليوم اختبارا حقيقيا لم يواجهه من قبل حيث بات الشارع يطالب صراحة بإسقاط الحكم العسكري وتشكيل حكومة مدنية ديمقراطية تكون بعيدة تمامًا عن تأثير الجيش
المعتقلون السياسيون الذين يقبعون في السجون منذ سنوات طويلة يمثلون الشريحة الأكبر من ضحايا القمع العسكري هؤلاء المعتقلون الذين تم احتجازهم بتهم واهية تتعلق بالمعارضة السلمية للنظام العسكري يشكلون اليوم قضية محورية في المظاهرات
الشعب يطالب بالإفراج الفوري عنهم ووقف الاعتقالات التعسفية التي يمارسها النظام ضد كل من يعارض سياساته القمعية المطالب الشعبية لم تتوقف عند ذلك بل تعدتها إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وإجراء محاكمات عادلة لمن تورطوا في تعذيب المعتقلين وسوء معاملتهم
ما يزيد من تعقيد المشهد هو تورط الجيش في الاقتصاد بشكل مباشر حيث يسيطر على قطاعات حيوية ويهيمن على الثروات الطبيعية مثل الغاز والمعادن الأمر الذي يجعل الجيش ليس فقط جزءًا من النظام السياسي بل أيضا عنصرا أساسيا في الاقتصاد
هذا الوضع أدى إلى استشراء الفساد في كل المؤسسات الحكومية وأصبحت مصالح القيادات العسكرية فوق مصالح الشعب موزمبيق التي تعتبر واحدة من أغنى الدول بالثروات الطبيعية تعيش في فقر مدقع بسبب سياسات الجيش التي تركز على تعظيم أرباحها على حساب رفاهية المواطنين
الاحتجاجات التي تجتاح موزمبيق حاليا لم تأت من فراغ بل كانت نتيجة لغضب مكبوت على مدار سنوات من الظلم والتهميش ورغم المحاولات اليائسة للنظام في تهدئة الأوضاع إلا أن الشارع الموزمبيقي يبدو مصمما على الاستمرار في المظاهرات حتى تتحقق مطالبه وخاصة بعد أن نجحت الحركات الشبابية والمنظمات الحقوقية في توحيد صفوفها وتوجيه الاحتجاجات نحو هدف مشترك وهو إسقاط النظام العسكري وإبعاد الجيش عن السياسة والاقتصاد
النظام العسكري الذي كان يعتمد في السابق على قمع المظاهرات بعنف وحشي يجد نفسه اليوم في مواجهة شعب غاضب لم يعد يخشى الترهيب أو القمع الأمر الذي يزيد من حدة الأزمة ويضع النظام أمام خيارات صعبة للغاية
فإما الاستجابة لمطالب الشعب وإجراء تغييرات جذرية في بنية الحكم وإما الاستمرار في القمع الذي قد يؤدي إلى انفجار شعبي شامل يهدد بزعزعة استقرار البلاد بشكل كامل
من الواضح أن موزمبيق تقف الآن على مفترق طرق إما أن تنجح هذه الانتفاضة الشعبية في فرض تغيير حقيقي يضمن الحرية والديمقراطية للشعب أو أن النظام العسكري سيستمر في محاولاته البائسة للبقاء في السلطة عبر المزيد من القمع والانتهاكات
ولكن ما لا يمكن إنكاره هو أن المظاهرات الحالية تمثل نقطة تحول في تاريخ البلاد وتكشف عن وعي سياسي جديد لدى الشعب الموزمبيقي الذي قرر أخيرا أن يقول كلمته