فضيحة الإفراج الشرطي: تقاعس الحكومة المصرية عن إصلاح منظومة السجون وفساد متجذر
في خطوة مثيرة للجدل ومليئة بالشبهات، كشف المحامي خالد المصري، رئيس هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين، عن واحدة من أكبر الفضائح التي تكشف تقاعس وفساد النظام المصري في التعامل مع ملف السجناء السياسيين.
وفقاً لما ذكره المصري، فإن السلطات الأمنية في مصر عمدت مؤخراً إلى تطبيق إجراءات الإفراج الشرطي على المعتقلين السياسيين لأول مرة منذ انقلاب 2013،
مما يثير تساؤلات عديدة حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الخطوة التي تبدو وكأنها محاولة لتجميل الصورة المهترئة للنظام أمام الرأي العام الداخلي والدولي.
لعبة الإفراج المشروط: الحكومة المصرية تلتف على القوانين
لقد ظل الإفراج الشرطي لعقود حكراً على السجناء الجنائيين فقط، حيث يمكن إطلاق سراح المحكوم عليه بعد قضاء نصف مدة عقوبته، إلا أن هذا الإجراء لم يُطبّق أبداً على المعتقلين السياسيين الذين عانوا لسنوات في السجون المصرية تحت أحكام ظالمة وملفقة.
لكن في تحول غير متوقع، أفاد المحامي خالد المصري بأن أعداداً كبيرة من السجناء السياسيين قد وقعوا خلال الأيام الماضية على استمارة الإفراج الشرطي،
رغم أنهم لم يكونوا مؤهلين سابقاً لهذه المعاملة. وهذا التحرك يطرح سؤالاً جوهرياً: لماذا الآن؟ ولماذا يصر النظام المصري على هذا الالتفاف على القوانين؟
السجون المصرية تتحول إلى بؤرة فساد
مما لا شك فيه أن هذه الخطوة لم تأت من فراغ، بل جاءت في سياق من الفساد والتراخي الحكومي المستمر في التعامل مع ملفات حقوق الإنسان، خصوصاً في السجون المصرية التي باتت معروفة بظروفها اللاإنسانية وسوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون السياسيون.
يبدو أن السلطات المصرية وجدت في هذه الاستمارات وسيلة للتخلص من بعض الضغوط الدولية والمحلية التي تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، الذين باتوا يعيشون في ظروف لا تطاق.
فبدلاً من معالجة المشكلة من جذورها، لجأت الحكومة إلى التحايل على النظام القانوني، وفتح باب الإفراج المشروط للسجناء السياسيين بشكل يشوبه الفساد.
استغلال الاستمارات للتغطية على الأزمة
المحامي خالد المصري أشار إلى أن توقيع السجناء على هذه الاستمارات قد يكون جزءاً من خطة حكومية لتخفيف الضغط المتزايد من منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي. ولكن في الحقيقة، يبدو أن هذه الاستمارات هي مجرد ورقة تافهة تستخدمها الحكومة للتغطية على الفشل الذريع في إصلاح نظام السجون المصري.
فما الفائدة من توقيع استمارات الإفراج الشرطي إذا كانت الأوضاع داخل السجون لا تزال متدهورة، وإذا كان العديد من المعتقلين السياسيين يقضون سنوات من حياتهم خلف القضبان بسبب مواقفهم السياسية السلمية؟
هذه الاستمارات، في نهاية المطاف، لن تكون سوى وسيلة لإطالة أمد الأزمة، ولن تكون حلاً حقيقياً لأزمة حقوق الإنسان في مصر.
سياسة الإفراج غير المبررة: فساد مركب
بالنظر إلى هذا الواقع، يجب أن نتساءل عن الجوانب الخفية لهذا القرار. فمن الذي أصدر التعليمات بإجبار السجناء السياسيين على توقيع استمارات الإفراج الشرطي؟
وهل تم توقيع هذه الاستمارات بشكل طوعي أم أن هناك ضغوطاً مورست على السجناء لقبولها؟ والأهم من ذلك، هل سيكون لهذا التوقيع أي تأثير فعلي على إمكانية الإفراج عنهم أم أنه مجرد جزء من لعبة سياسية لإيهام العالم بأن الحكومة المصرية تقوم بإصلاحات؟
لقد أوضح المصري أن الاستمارات التي تم توقيعها لا تعني بالضرورة الإفراج الفوري عن السجناء، بل تعني فقط أن السجناء الذين وقعوا عليها سيخضعون لفحص من قبل لجنة مختصة من مصلحة السجون للنظر في إمكانية الإفراج عنهم.
وهذا الفحص نفسه يمثل باباً واسعاً للفساد والابتزاز، حيث يمكن للنظام المصري استخدامه كوسيلة للتلاعب بمصائر المعتقلين السياسيين، والتأخير المتعمد في البت في ملفاتهم.
الأسئلة الكبيرة: من سيحاسب الحكومة؟
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة في هذا السياق هو: أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ لماذا لم تتحرك الجهات المعنية للتحقيق في هذا الالتفاف الصارخ على حقوق المعتقلين؟ وكيف يمكن تفسير هذا الصمت المريب من قبل الحكومة المصرية إزاء هذه الفضيحة؟
هل يمكن أن تكون هذه الاستمارات خطوة نحو إنهاء أزمة المعتقلين السياسيين، أم أنها مجرد أداة أخرى في يد النظام لفرض مزيد من السيطرة والابتزاز؟
في نهاية المطاف، لا يمكننا أن نغفل عن أن هذه الخطوة تأتي في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متدهورة تعاني منها مصر، حيث ترتفع معدلات البطالة، ويعاني المواطنون من غلاء المعيشة والفساد المتفشي في كافة مؤسسات الدولة.
ومن الواضح أن النظام المصري يحاول بكل الطرق أن يتجنب المزيد من الانتقادات الدولية والمحلية، ويبدو أن الإفراج الشرطي عن المعتقلين السياسيين هو إحدى الوسائل التي يسعى من خلالها إلى تحقيق هذا الهدف.
إفراج شكلي أم بداية نهاية القمع؟
في النهاية، يظل السؤال الأكبر: هل ستكون هذه الاستمارات بداية لإنهاء حقبة طويلة من القمع السياسي والظلم في مصر، أم أنها مجرد خطوة شكلية ضمن محاولات الحكومة المصرية لتلميع صورتها أمام العالم؟
الأرقام لا تكذب، والممارسات السابقة تؤكد أن النظام المصري لم يكن يوماً جاداً في التعامل مع مطالبات المجتمع الدولي بشأن حقوق الإنسان. وإذا استمرت الحكومة في هذا النهج الملتوي، فإن مصر ستظل غارقة في دائرة لا تنتهي من القمع والفساد.
المحامي خالد المصري فتح باباً جديداً من الجدل حول ممارسات الحكومة المصرية، لكن يبقى السؤال قائماً: هل ستتحرك السلطات فعلاً للإفراج عن هؤلاء المعتقلين، أم أن هذه الخطوة ستكون مجرد إضافة جديدة إلى سجلها المليء بالانتهاكات؟