في مشهد يوضح عمق الأزمة التي يعيشها قطاع التعليم في مصر يتحدث وزير التربية والتعليم عن جهود متواضعة لحل أزمة نقص المعلمين رغم الأرقام الفلكية التي تعكس فشل السياسات الحكومية والأداء المتردي للوزارات المعنية في مواجهة هذه الكارثة التعليمية
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن خطط عاجلة وسريعة للتغلب على العجز الذي وصل إلى أكثر من 665 ألف معلم نجد أن الحقيقة تتكشف أكثر عن عدم جدية هذه الخطط وعدم كفاية الإجراءات المعلنة
فقد أشارت التقارير إلى أن هناك أزمة متفاقمة في نقص المعلمين في جميع أنحاء البلاد وقد صرح الوزير أنه تم إضافة ما يزيد عن 98 ألف فصل دراسي
ومع ذلك فإن العجز في أعداد المعلمين ما زال يزداد ولم تعد الحلول المقترحة كافية بل تبدو وكأنها ترقيعات لا تعالج جذر المشكلة بل تساهم في تفاقمها في ظل تجاهل الحكومة للإصلاحات الأساسية التي تحتاجها المدارس
أرقام مرعبة تتحدث عن العجز الكبير في أعداد المعلمين بينما الحكومة تواصل تكرار نفس الوعود الفارغة دون تنفيذ حقيقي على الأرض وفي وقت يشتكي فيه الآباء من تدني مستوى التعليم وعدم وجود معلمين مؤهلين نجد أن الاستجابة من قبل الحكومة تأتي متأخرة وبكثير من التردد مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع في الفصول الدراسية وتدهور جودة التعليم
كما أن المبادرات التي أعلن عنها الوزير والتي تتضمن تعيين 30 ألف معلم سنويًا هي مجرد إجراءات شكلية ليس لها تأثير فعلي في مواجهة الأزمة فالأعداد المعلنة غير كافية لسد العجز الحقيقي
كما أن معالجة مشكلة نقص المعلمين تحتاج إلى خطة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب بدءًا من تأهيل المعلمين وتدريبهم وصولاً إلى تحسين الظروف المعيشية لهم وتوفير حوافز حقيقية تحفزهم على العمل في التعليم
وبينما تؤكد الحكومة على ضرورة توفير الاعتمادات المالية لتشغيل المعلمين بالحصة فإن المقابل الذي تم تحديده لا يكاد يذكر فهو لا يتجاوز 50 جنيها في الساعة وهو مبلغ لا يغطي احتياجات المعلم الأساسية ويجعل من العمل في التعليم خيارًا غير مغرٍ بالمرة مما يؤدي إلى نفور الخريجين من الانخراط في هذا المجال وبهذا يستمر الفشل في جذب الكفاءات اللازمة لتطوير العملية التعليمية
المؤسف أن الحكومة لم تلتفت إلى أهمية تحسين بيئة العمل للمعلمين بل تكتفي بمجرد إعطاء وعود بتقنين أوضاعهم دون النظر إلى حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء العاملون في القطاع التعليم وقد غابت عن أجندة الحكومة ضرورة توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمعلمين مما يسهم في تعزيز أدائهم داخل الفصول الدراسية
وبالرغم من كل هذه التحديات فإن الحكومة تواصل الترويج لإنجازات وهمية تتعلق بسد العجز في أعداد المعلمين دون وجود أي دليل على ذلك على أرض الواقع
حيث تصطدم تصريحات المسؤولين بحقيقة الفصول الدراسية التي تعاني من نقص حاد في المعلمين وقد أكدت مصادر مطلعة أن العديد من المدارس تعاني من وجود مدرس واحد لأكثر من فصل مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم ويزيد من معاناة الطلاب وأولياء الأمور
إن أزمة نقص المعلمين في مصر ليست مجرد رقم في تقرير حكومي بل هي قضية تؤثر على مستقبل الأجيال القادمة وقد حان الوقت لمحاسبة الحكومة على تقاعسها وعدم قدرتها على مواجهة هذه المشكلة التي باتت تهدد مستقبل التعليم في البلاد
وفي ظل استمرار الفساد والمحسوبية التي تعاني منها المؤسسات التعليمية نجد أنه من الضروري أن يتحرك المجتمع المدني بشكل جاد لمراقبة الأداء الحكومي والمطالبة بالشفافية والمحاسبة
وإن التعليم هو ركيزة أساسية لأي مجتمع متقدم ولا يمكن أن يستمر هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه المعلمون والطلاب دون تدخل حقيقي وجاد من الحكومة لتحسين الظروف الحالية وبناء منظومة تعليمية قادرة على تلبية احتياجات المواطنين
فالمستقبل الذي نصبو إليه لن يتحقق إلا بوجود معلم مؤهل يساهم في بناء الأجيال القادمة وليس مجرد أرقام تُحشر في التقارير الرسمية