في سابقة خطيرة تكشف عن تدهور الوضع الاقتصادي في مصر وغياب الشفافية يتجدد الحديث حول احتمالية تعويم جديد للجنيه في وقت يبدو فيه الاقتصاد المصري في أسوأ حالاته
إذ نفى المستشار محمد الحمصاني المتحدث باسم مجلس الوزراء بشكل قاطع وجود أي تعويم جديد للعملة مبررا ذلك بتبني الحكومة لسياسة سعر صرف مرن ولكن هل هذه التصريحات مجرد ستار يخفي ورائه تدهورًا ماليًا متزايدًا وفشلًا حكوميًا ذريعًا
إن الحمصاني في تصريحات متلفزة أشار إلى أن إدارة السياسة النقدية تتبع البنك المركزي الذي أعلن سابقا التزامه بتطبيق سياسة سعر الصرف المرن كاستراتيجية تهدف إلى ضمان استقرار الاقتصاد والتكيف مع المتغيرات المالية العالمية
ولكن ما الذي يحدث حقا في الداخل إذ أن المعلومات تشير إلى أن الأوضاع الاقتصادية لا تعكس أي نوع من الاستقرار بل بالعكس تتزايد الضغوط على الجنيه المصري الذي يعاني من تراجع مستمر في قيمته أمام العملات الأجنبية
وفي إشارة إلى الشائعات حول التعويم الجديد أكد الحمصاني أن هذه الشائعات تستهدف زعزعة استقرار الدولة ولكن من يصدق هذه التصريحات في ظل تكرار الفشل الحكومي في إدارة الأزمات الاقتصادية المتتالية
فالحقيقة هي أن الحكومة تتجنب الاعتراف بالحقائق المريرة التي يعيشها المواطنون الذين يعانون يوميا من ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للجهد الذي يبذلونه
ما يزيد الأمر سوءًا هو زيارة مسؤولي صندوق النقد الدولي والتي تأتي في إطار المراجعة الدورية للبرنامج الاقتصادي حيث تعكس هذه الزيارة عدم وجود أي تقدم حقيقي في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة
فكيف يمكن أن يتحدث الحمصاني عن تحقيق تقدم بينما تعيش الأسواق في حالة من الفوضى والانهيار المستمر في أسعار السلع الأساسية
ومع ذلك أكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي في تصريحات سابقة أن الدولة لا تنوي اتخاذ أي خطوات جديدة نحو تعويم الجنيه ولكن ماذا عن الأرقام التي تؤكد العكس
إذ تشير التقارير إلى أن الدين الخارجي لمصر قد ارتفع إلى حوالي 159 مليار دولار في منتصف 2023 وهو ما يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الاقتصاد وعجزًا كبيرًا في تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة
وكما هو الحال دائمًا فإن الأحاديث الحكومية تتناقض مع الواقع إذ تعاني الطبقات الفقيرة والمتوسطة من وطأة الأزمات الاقتصادية التي تفاقمت بشكل مريع
حيث شهدت الأسعار في الأسواق ارتفاعًا غير مسبوق بينما تظل الرواتب ثابتة مما يزيد من الفجوة بين الطبقات الاجتماعية
وفي ظل هذه الظروف يبدو أن الحكومة تستمر في تقديم الوعود التي لا تجد طريقها إلى التطبيق إذ أنها لا تملك الشجاعة لمواجهة الحقائق والاعتراف بحجم الكارثة التي تحيق بالاقتصاد المصري ولا تنوي اتخاذ خطوات حقيقية للتخفيف من معاناة المواطنين الذين يدفعون الثمن في ظل هذه السياسات الفاشلة
إن ما يحدث في مصر اليوم ليس مجرد أزمة اقتصادية بل هو تعبير صارخ عن فشل القيادة السياسية في تقديم حلول جذرية تواجه التحديات الاقتصادية المتزايدة إذ أن الظروف الراهنة تتطلب من الحكومة أن تتحلى بالشفافية وأن تعترف بحجم الأزمة بدلاً من الاستمرار في إلقاء اللوم على الشائعات التي تروجها القوى الخارجية
وعلى الرغم من جميع التصريحات التي تصدر من المسؤولين الحكوميين فإن الواقع لا يمكن تجاهله إذ أن السوق المصرية تعاني من حالة من الركود وضعف النمو وهذا يدل على أن السياسات الاقتصادية المعتمدة حتى الآن لم تحقق الأهداف المرجوة بل أدت إلى تفاقم الأزمات وتدهور الحالة الاقتصادية
وإن الأوضاع الحالية تستدعي وقفة جادة من الحكومة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومنع تفاقم الأزمة التي تهدد حياة الملايين من المصريين إذ أن عدم التحرك بشكل جاد وفعال قد يقود البلاد إلى أزمات اقتصادية أشد خطورة مما نراه اليوم ولا بد من إشراك الشعب في هذه العملية واتخاذ خطوات ملموسة تضمن حقوقهم وتعيد لهم الأمل في مستقبل أفضل