حين تسمع فيروز تغني لبعلبك بعد يوم صبّ فيه العدو الصهيوني جام حقده على هذه المدينة اللبنانية المتجذّرة في تاريخها وتراثها وحضارتها، والمحاطة ببلدات وقرى قدمت للبنان الآلاف من الأبطال الشهداء دفاعاً عن الوطن والأمّة، تشعر أنها بصوتها الملائكي الرخيم إنما تستحضر آلاف السنين من حضارة جسّدتها قلعتها المنيعة،
وتستحضر معها الضابط في الجيش اللبناني النقيب الشهيد محمد زغيب ابن يونين أول شهيد لبناني في حرب فلسطين 1948، وتستحضر أيضاً ذكريات انطلاق المقاومة الإسلامية عام 1982، من ربوع تلك المدينة، التي لا يمكن لأحد أن يغيبها عن تاريخ المنطقة.
بعلبك، كما صور، كما النبطية، كما صيدا، كما بنت جبيل، كما الخيام، كما شبعا، كما كل بلدة وقرية في جنوبنا الشامخ، وبقاعنا الأبي، وبيروت العصية على الغزاة، هم عناوين لشموخ أمّة وحضارة أمم عرفتها.
واليوم تكتب بعلبك، ومعها كل لبنان، بدماء الشهداء والجرحى، تاريخاً جديداً، لا للبنان وحده، ولا لفلسطين فقط، بل للبنان كله ومعه أمّتنا من أقصاها إلى أقصاها.
حين كنّا طلاباً كان التوجه إلى بعلبك أول مشاريعنا الطلابية كرحلات في لبنان، ففيها القلعة الشهيرة، وفيها الصفيحة البعلبكية، وفيها قبل كل شيء القلوب والعقول المفتوحة لكل زائر..
واليوم، تتحول رحلاتنا الطلابية البريئة إلى غارات صهيونية قاتلة ومدمرة، ولكن لا يدرك هؤلاء الوحوش أن بعلبك كقلعتها لا يمكن أن تهزمها كل صواريخ نتنياهو ومسيراته، فكما البشر يتوالدون، فالصخر في بعلبك يتوالد، والقلعة مهما حاولوا تدميرها تبقى شامخة شامتة بكل المجرمين العتاة.
حماك الله يا بعلبك، وحما الله كل ذرة تراب من لبنان، وكل شبر من أرض فلسطين، بل كل طفل وامرأة وشيخ ومقاوم في لبنان.