مسلسل اغتيالات العلماء المصريين .. شبح الفساد والتقاعس الحكومي يلاحق عباقرة مصر
منذ عقود، يتكرر سيناريو قاتم على مسرح مصر، حيث يتوالى اغتيال ووفاة نخبة من العلماء المصريين في ظروف غامضة، وسط تجاهل حكومي مريب وتواطؤ قد يصل إلى حد الفساد.
العلماء الذين أضاءوا سماء مصر بإنجازاتهم الفذة وتخصصاتهم الدقيقة، تحولوا إلى أهداف سهلة في ظل غياب الحماية أو حتى المحاسبة.
إنها مأساة تكررت بشكل مقلق مع مرور الزمن، وكأن حياة هؤلاء العلماء أصبحت سلعة في سوق المصالح والأجندات الخفية.
من الفيزياء النووية إلى الزراعة، من علماء الذرة إلى عباقرة الجغرافيا، لم تسلم أي تخصصات من هذه الظاهرة المروعة التي تفضح عمق الأزمة الهيكلية في إدارة الدولة.
مقتل ريم حامد 2024: غياب التحقيقات وترك الجناة أحرارًا
الباحثة الشابة ريم حامد، المختصة في الزراعة، انضمت إلى قائمة ضحايا الغموض والظلم في 2024. لم تمضِ سوى سنوات قليلة على انخراطها في الأبحاث الزراعية حتى تم العثور عليها ميتة في ظروف غير واضحة، دون أن تحرك الحكومة ساكنًا لكشف ملابسات الحادث.
الحكومة اكتفت بالصمت كالعادة، تاركة عائلة الباحثة والمجتمع العلمي في حالة من الحيرة والذهول. لم تُفتح أي تحقيقات جادة،
ولم يتم مساءلة أي طرف، مما يثير الشكوك حول ما إذا كانت هناك جهات متورطة في إسكاتها، سواء بسبب أبحاثها أو مواقفها.
اغتيالات عام 2019: ثلاث وفيات في عام واحد، والمشترك الصمت الحكومي
في 2019، شهدت مصر وفاة أشرف تركي، دعاء عبدالسلام، وعبدالحميد نوفل، جميعهم علماء في تخصصات دقيقة بمجال الزراعة.
على الرغم من أن هذه الحوادث المفجعة وقعت في عام واحد فقط، إلا أن الحكومة المصرية لم تتحرك بشكل فعلي للتحقيق في الظروف التي أدت إلى موتهم.
هل كانت مجرد حوادث عرضية؟ أم أن وراء هذا المسلسل المظلم أيادٍ خفية تسعى لإسكاتهم؟ الأسئلة تظل دون إجابة،
والحكومة لا تزال تفضل الصمت المطبق، وهو صمت يترجم إلى تواطؤ ضمني مع تلك القوى التي ترغب في القضاء على العقول المصرية.
أبوبكر عبدالمنعم رمضان 2019: عالم نووي في قائمة الضحايا
العالم النووي أبو بكر عبدالمنعم رمضان، الذي كان يعمل ضمن هيئة الرقابة النووية والإشعاعية، توفي في 2019 بشكل مفاجئ أثناء حضوره مؤتمرًا دوليًا.
كانت وفاته مثيرة للشبهات، خاصة أن تخصصه يجعل منه هدفًا محتملاً لمصالح دولية أو محلية. لكن كالعادة، تجاهلت الحكومة المصرية فتح تحقيق جدي في الأمر، وكأن حياة العلماء المصريين أصبحت مسألة ثانوية لا تستحق الاهتمام.
استمر الغموض والتكتم حول وفاة رمضان، مما يفتح الباب للتكهنات حول مدى تورط جهات ذات نفوذ في مصر أو خارجها.
جمال حمدان 1993: نهاية مأساوية لأسطورة الجغرافيا
العالم الجغرافي جمال حمدان، أحد أبرز العقول المصرية في مجال الجغرافيا، وُجد ميتًا في شقته بالقاهرة عام 1993، بعد حريق غامض.
الحكومة حينها صنفت الأمر كحادث عرضي، لكن الأدلة والشهادات أشارت إلى أن هناك ما هو أكثر من مجرد حريق عرضي.
أعماله كانت تمس قضايا حساسة تتعلق بالسيادة المصرية والمصالح الإقليمية، مما يجعل وفاته موضع تساؤل. ورغم مرور سنوات،
لم يتم فتح أي تحقيقات جادة للكشف عن المسؤولين الحقيقيين عن وفاته، ما يعزز الشعور بأن الدولة تتقاعس عن حماية عباقرتها.
يحيى المشد 1980: عالم الذرة الذي دفع ثمن علمه
العالم النووي يحيى المشد، الذي كان أحد أبرز الأسماء في مشروع العراق النووي، لقي مصرعه في ظروف مريبة في فندق بباريس عام 1980.
المشد كان هدفًا واضحًا لأجهزة استخباراتية دولية بسبب علمه ومواقفه، ومع ذلك لم تقدم الحكومة المصرية الدعم الكافي له في حياته ولا حتى بعد مقتله.
الحكومة اكتفت بالتنديد الرسمي، لكنها لم تتخذ أي خطوات فعلية لحماية علماءها أو محاسبة الجناة، مما يعزز الاعتقاد بأن هناك تواطؤًا ضمنيًا مع تلك القوى الخارجية التي استهدفت المشد وغيره.
سمير نجيب 1976: عالم ذرة آخر يسقط في الغموض
في 1976، فقدت مصر عالم الذرة سمير نجيب في حادث سيارة غامض أثناء وجوده في الولايات المتحدة. نجيب كان يحقق نجاحات كبيرة في مجال الأبحاث النووية، مما أثار قلق العديد من الأطراف التي قد لا ترغب في تطوير مصر لقدراتها النووية.
لم يكن نجيب أول ولا آخر عالم مصري يُقتل في ظروف مريبة، لكن الحكومة المصرية مرة أخرى لم تتخذ أي إجراءات جادة للتحقيق أو محاسبة المتورطين، مما يثير الشكوك حول مدى التزامها بحماية مواطنيها من العلماء البارزين.
سميرة موسى 1952: أول عالمة ذرة مصرية وأحد الأهداف الأولى
سميرة موسى، أول عالمة ذرة مصرية، لقيت حتفها في حادث سيارة غامض أيضًا عام 1952 في الولايات المتحدة. كانت موسى رمزًا للأمل في تطوير القدرات النووية السلمية لمصر، لكنها وقعت ضحية لصراعات دولية لم تهتم الحكومة المصرية بمواجهتها.
مصر فقدت بذلك واحدة من أعظم عقولها العلمية في ظروف مريبة، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات حقيقية للكشف عن الجناة أو التأكد من سبب الحادث، مما يعكس الإهمال المستمر من قبل الدولة تجاه علمائها.
مصطفى مشرفة 1950: بداية الكارثة
العالم الفيزيائي مصطفى مشرفة، أحد أبرز العلماء في مجال الفيزياء النظرية، توفي بشكل غامض في 1950، وكان هذا بداية سلسلة الوفيات المريبة التي طالت العلماء المصريين.
مشرفة كان من الشخصيات العلمية الرائدة التي وضعت مصر على خريطة العلم العالمية، ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكنًا لحمايته أو التحقيق في وفاته. الأمر الذي فتح الباب أمام المزيد من الجرائم التي طالت النخب العلمية المصرية.
القصص تتكرر والأسماء تتغير، لكن المشترك الوحيد هو التقاعس الحكومي الصارخ في حماية هؤلاء العلماء والمفكرين، بينما يستمر الفساد في نخر مؤسسات الدولة، تاركًا البلاد في حالة من الانحدار والتراجع العلمي.