تتزايد أزمة التعليم في مصر بشكل ينذر بالخطر في ظل تراجع ملحوظ في مستوى الخدمات التعليمية رغم الحصول على قروض بملايين الدولارات من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي والذي قدم للحكومة المصرية 206 ملايين دولار من إجمالي 480 مليون دولار مخصصة لإصلاح التعليم ويطرح هذا الواقع تساؤلات عديدة حول كيفية استغلال هذه الأموال وأين تذهب
في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن مشاريع ضخمة لتحسين جودة التعليم لا تزال الحقائق تظهر أن التعليم في مصر يمر بأزمات عميقة لا تتناسب مع المبالغ الطائلة المستثمرة فمبلغ 10 ملايين دولار تم تخصيصه لتقوية كفاءة نظام رياض الأطفال
يبدو ضئيلا مقارنة بحجم التحديات التي تواجه هذا النظام ولا ننسى الـ 16 مليون دولار التي كانت مخصصة لرفع كفاءة مدرسين المرحلة الابتدائية وهي مخصصات لا تعكس الجهود الحقيقية المطلوبة لتطوير التعليم
ولنذهب أبعد من ذلك فإن الـ 26 مليون دولار التي تم رصدها لتطوير المشرفين المختصين والمدرسين تتطلب مزيدا من التدقيق
فهل ستؤدي هذه الأموال إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع أم أنها ستختفي كما اختفت غيرها من الأموال في مستنقع الفساد الإداري الذي ينخر في مفاصل الحكومة المصرية
يبرز الرقم الصادم لعجز المعلمين في مصر حيث تبلغ الفجوة حوالي 469 ألف معلم مما يعني أن الفصول الدراسية تعاني من نقص حاد في الكادر التعليمي
وهو ما ينعكس سلبا على جودة التعليم ويزيد من أعباء المعلمين المتواجدين الذين يتعرضون لضغوطات هائلة في ظل كثافة الفصول التي زادت بنسبة 50 في المئة عن المعدلات العالمية مما يحرم الطلاب من حقهم في التعليم الجيد
تشير البيانات الحكومية إلى أن هذه القروض لم تؤد إلى تحسين ملموس في الأداء التعليمي بل على العكس يبدو أن هناك إهمالا متعمدا من قبل الحكومة المصرية في معالجة القضايا الأساسية التي تؤثر على التعليم ومن الواضح أن هذه الأموال ليست سوى حبر على ورق لا تحمل في طياتها أي حل حقيقي للمشكلات المتفاقمة
بدلا من العمل على تحسين بيئة التعليم وتوفير المعلمين المؤهلين تهتم الحكومة بمشاريع وهمية لا تحقق سوى مكاسب سياسية قصيرة الأجل بينما يعاني الطلاب والمعلمون على حد سواء من ظروف تعليمية سيئة
فالتجاهل الحكومي لنداءات تحسين التعليم يوضح أن هناك تقاعسا صارخا عن واجبات الحكومة تجاه الشعب المصري الذي يستحق نظام تعليم يواكب التطورات العالمية
وعلى الرغم من الأزمات المتزايدة فإن هناك صمتا مطبقا من قبل المسؤولين الذين يفضلون تجاهل الحقائق المؤلمة التي يواجهها التعليم في مصر ويروّجون لإنجازات غير موجودة على الأرض
مما يزيد من استياء المواطنين الذين يرون في ذلك قلة احترام لعقولهم وقدراتهم على التمييز بين الواقع والمزاعم الحكومية
يستمر التعليم في التدهور بينما تتزايد المديونية الحكومية وتختفي الأموال في دوائر الفساد والتلاعب بالأرقام ومن الواضح أن الحكومة المصرية بحاجة إلى إعادة تقييم شاملة لسياساتها التعليمية ومحاسبة كل من ساهم في إهدار هذه القروض على مستقبل التعليم في البلاد
إذا كان هناك أمل في إصلاح حقيقي فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون من خلال إعادة ترتيب أولويات الحكومة والاعتراف بأن التعليم هو أساس التقدم والازدهار لكن يبدو أن الحكومة تختار المضي قدما في مسار يهدد مستقبل الأجيال القادمة بالضياع
الأرقام والأسماء تكشف عن واقع مرير الحكومة يجب أن تواجه عواقب تقاعسها وفشلها في توفير تعليم يناسب طموحات الشعب المصري
ومع ذلك يبقى السؤال الأهم ماذا ستفعل الحكومة حيال ذلك هل ستستمر في إلقاء اللوم على الظروف الاقتصادية أم أنها ستتخذ خطوات جادة لإحداث تغيير حقيقي في التعليم هذا هو التحدي الذي يجب أن تواجهه الحكومة إذا كانت تسعى فعلا إلى مستقبل أفضل لمصر
في النهاية يبقى المواطن المصري هو الضحية الحقيقية لتلك السياسات الفاشلة والمتخبطة وإذا لم يكن هناك تحرك جاد وفوري فإن التعليم في مصر سيظل في دائرة الفساد والإهمال الذي يبدو أنه أصبح جزءا لا يتجزأ من حياة الكثيرين مما يعكس أزمة أعمق من مجرد نقص في التمويل بل أزمة تتعلق بالإرادة السياسية والرؤية الحقيقية للتغيير
على الحكومة أن تستيقظ من غفلتها قبل فوات الأوان فإن قروض البنك الدولي لم تعد كافية لإصلاح التعليم ما لم يترافق ذلك مع إرادة حقيقية للتغيير وإصلاح الجذور الفاسدة التي تسيطر على هذا القطاع الحيوي
بل يجب أن يكون هناك برنامج شامل يعتمد على الشفافية والمساءلة بدلا من استمرار نفس السياسات الفاشلة التي لن تؤدي إلا إلى المزيد من الفشل والضياع