يبدو أن الحكومة المصرية برئاسة مصطفى مدبولي تتفوق فقط في شيء واحد، وهو زيادة الأزمات الاقتصادية التي تهدد مستقبل البلاد.
منذ توليه السلطة، شهد الاقتصاد المصري تدهوراً غير مسبوق، وكل الأرقام الرسمية تكشف عن تقاعس وفساد مستشريين في كل زاوية من زوايا السلطة. وإذا كانت هذه هي “إنجازات” الحكومة كما يروج لها، فإن الشعب المصري بات الآن يعيش في أزمة تفوق الوصف.
منذ عام 2018، ارتفع الدين الخارجي لمصر بشكل كارثي من 92.6 مليار دولار إلى 168 مليار دولار في عام 2023، وهو قفزة غير مبررة تعكس عجز الحكومة عن إدارة موارد البلاد واستنزافها للاقتصاد عبر قروض لا تجد لها مردوداً على أرض الواقع.
هذا الدين الخارجي لم يكن إلا جزءًا من الكارثة الأكبر؛ حيث ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي من 37% في 2018 إلى 43% في 2023، مما يثبت أن كل السياسات المالية المتبعة قد فشلت في تقليل الفجوة بين ما تُقرضه الحكومة وما تنتجه البلاد.
ولا يقتصر الأمر على الدين الخارجي فقط، فالعملات الأجنبية باتت بعيدة المنال. ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه المصري من 18.8 جنيهًا في عام 2018 إلى 48 جنيهًا في 2023، وهو ما يشكل انهيارًا تامًا لقيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
الحكومة في كل مرة تتحدث عن “تحسين الاقتصاد”، بينما الحقيقة واضحة للجميع: مصر في طريقها نحو الإفلاس. التضخم تجاوز 115%، مما يعني أن القدرة الشرائية للمواطن قد تدهورت بشكل مخيف، ولا يوجد أي مؤشرات على وجود خطط حكومية حقيقية للسيطرة على هذا الوضع المأساوي.
السلع والخدمات الضرورية التي يعتمد عليها المواطن المصري شهدت زيادات جنونية في الأسعار تجاوزت الـ100%، وبدلاً من العمل على تخفيف العبء على المواطنين، تتجه الحكومة نحو تصفية شركات كبرى كانت في يوم من الأيام تمثل عماد الصناعة المصرية.
شركات الحديد والصلب والغزل والنسيج وكفر الدوار، والنصر لصناعة الكوك، والقومية للأسمنت، كلها أسماء كبرى في عالم الصناعة المصرية، لكنها باتت في طي النسيان بعد قرارات حكومية متهورة بتصفيتها أو بيعها.
والآن، وفي خطوة تعكس اليأس التام للحكومة من تحسين الأوضاع الاقتصادية، اتجهت نحو سياسة الخصخصة العشوائية، فبدأت ببيع حصص في شركات حكومية وأراضي الدولة وكأنها بضاعة مهملة.
آخر تلك الصفقات كان بيع أراضي رأس الحكمة، وهو تصرف يعكس مدى التخبط الحكومي في مواجهة التحديات الاقتصادية.
بدلاً من البحث عن حلول اقتصادية جذرية، تتجه الحكومة نحو بيع أصول الدولة وخصخصة ما تبقى من مؤسساتها، مما يزيد من عبء الفساد والتلاعب على حساب المواطن.
إذا كان الدين الخارجي قد وصل إلى 168 مليار دولار، فماذا تحقق من هذه القروض؟ أين ذهبت الأموال؟ هل حققت أي تحسين ملموس في حياة المواطن؟
الحقيقة الصادمة هي أن الحكومة لم تحقق سوى التدهور في كل المجالات، بينما ينعم القلة المستفيدون من هذا الفساد بمزيد من الامتيازات والمكاسب.
مصر أصبحت ثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي منذ عام 2018، ما يعكس فقدان الحكومة القدرة على الاعتماد على مواردها الذاتية أو حتى تنظيم سياساتها المالية بشكل مستدام.
صندوق النقد الدولي لا يمنح القروض بدون شروط، ومع كل قسط جديد، ترتفع الأعباء على الاقتصاد الوطني، وتزداد الضغوط على المواطن البسيط الذي يدفع الثمن الأكبر من تلك السياسات الفاشلة.
أما عام 2024 فيبدو أنه سيكون فصلًا جديدًا من سياسة بيع ما تبقى من أصول الدولة تحت مسمى “الخصخصة”، فالحكومة لا تمتلك أي رؤية أو خطة اقتصادية حقيقية سوى بيع ما يمكن بيعه.
شركات حكومية وأراضٍ ثمينة يتم عرضها للبيع في مزادات سرية، والمستفيدون دائماً معروفون، أولئك الذين يمتلكون السلطة والمال ولا تعنيهم مصلحة الوطن أو الشعب.
وفي الوقت الذي يتم فيه الحديث عن الإنجازات، لا يوجد سوى أرقام كارثية ووقائع فساد صارخة، والحكومة تواصل العمل بنفس النهج الذي سيؤدي لا محالة إلى المزيد من التدهور.
المواطن المصري أصبح عاجزًا عن تلبية احتياجاته الأساسية، والأسعار ترتفع بشكل جنوني، بينما الحكومة تتحدث عن نجاحات وهمية وإنجازات لا وجود لها إلا على الورق.
المشهد الذي نراه اليوم هو نتيجة مباشرة لسياسات تقاعس وفساد متواصلة، والسياسات الاقتصادية المدمرة التي يتبناها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وحكومته لن تؤدي إلا إلى المزيد من الانهيار.
ما يحدث في مصر الآن ليس سوى كارثة اقتصادية واجتماعية تحوم حولها شبهة فساد، والحكومة لم تقدم للشعب سوى المزيد من الأزمات والوعود الزائفة.
حان الوقت لمحاسبة الحكومة والبحث عن حلول حقيقية بدلاً من السير في هذا النفق المظلم.