قطاع العقارات في مصر يعيش حالة من الجدل العميق والخبراء والمحللون ينقسمون حول مستقبله البعض يصف الوضع الحالي بأنه يمثل بداية انفجار فقاعة عقارية ضخمة
في حين يرفض آخرون هذا الطرح مؤكدين استمرار ارتفاع الأسعار وتجنب الكارثة ولكن الحقيقة أن الواقع يؤكد بشكل قاطع أن أسعار العقارات في مصر تضاعفت بشكل مبالغ فيه، مما أدى إلى خروج الأسعار عن متناول المواطن المصري العادي
أسعار الشقق قفزت بصورة جنونية في فترة قصيرة حيث ارتفع سعر الشقة التي كانت تُباع منذ عامين بمليوني جنيه إلى 10 ملايين جنيه اليوم أي أن الأسعار تضاعفت بخمسة أضعاف وهو ما يعجز المواطن المصري العادي عن استيعابه أو تحمله
وذلك في وقت تتدهور فيه القوة الشرائية للمصريين بشكل غير مسبوق بينما تؤكد الحكومة المصرية على لسان بعض المسؤولين أن السوق العقاري لا يزال مستقراً ومستمر في الارتفاع بشكل طبيعي تأتي هذه التأكيدات وسط مخاوف متزايدة من كارثة اقتصادية وشيكة قد تضرب القطاع بأسره
وفي خضم هذه الأزمة يتعمد بعض المسؤولين تبرير هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار بأن السبب هو التسعير على أساس أن الدولار سيصل إلى 100 جنيه وهو ما لم يحدث بالطبع فالدولار لا يزال في مستويات أقل بكثير مما تم التوقع له ومع ذلك يستمر جشع المطورين العقاريين في تحميل المواطن البسيط تكلفة هذه التوقعات الفاشلة
وفي الوقت ذاته نجد أن هناك تناقضاً كبيراً في أسعار مواد البناء حيث كان سعر طن الحديد يبلغ 70 ألف جنيه في فترة سابقة واليوم انخفض إلى 40 ألف جنيه ورغم ذلك لا نرى أي انعكاس لهذا التراجع في أسعار العقارات الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول مصير هذه الأموال التي تضاعفت بشكل غير مبرر وأين ذهبت
المثير للسخرية أن الحكومة المصرية لا تزال تغض الطرف عن هذه الأزمة بل وتصر على الترويج لفكرة استمرار ارتفاع الأسعار كدليل على قوة السوق العقاري المصري ونجاح سياسات الدولة في تنشيط القطاع
في حين أن الواقع يشير إلى كارثة محققة في ظل فقدان التوازن بين العرض والطلب وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين وأصبحت ملكية منزل في مصر بمثابة حلم بعيد المنال للغالبية العظمى من الشعب في ظل تآكل الرواتب وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه
المحللون الذين يحذرون من فقاعة عقارية يتهمون الحكومة بالتواطؤ مع كبار المطورين العقاريين واستغلال حاجة المواطنين للحصول على سكن كريم بهدف تحقيق أرباح خيالية
هؤلاء المحللون يرون أن الارتفاعات الجنونية في أسعار العقارات لا علاقة لها بالعرض والطلب الحقيقي بل هي ناتجة عن مضاربات وجشع في التسعير مدفوع من قبل شركات التطوير العقاري بالتواطؤ مع بعض الجهات الحكومية التي تغض الطرف عن هذا التلاعب الممنهج
ما يزيد من تعقيد الأزمة أن الحكومة لم تتخذ أي خطوات فعلية لحماية المواطنين من هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار ولم تُصدر أي قوانين أو تشريعات من شأنها الحد من هذه الفوضى السعرية التي تضر بالاقتصاد الوطني
بل على العكس نجد أن الحكومة تروج لمشروعات سكنية فاخرة في العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المدن الجديدة وهي مشروعات لا تخدم إلا طبقة صغيرة من الأثرياء ولا تعالج أزمة السكن التي يعاني منها غالبية الشعب المصري
المعضلة الكبرى تكمن في أن هذه الارتفاعات الحادة في الأسعار جاءت في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من ضغوط هائلة
حيث تتزايد معدلات التضخم ويتدهور سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية مما يؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية لمدخرات المواطنين الذين يجدون أنفسهم غير قادرين على مواكبة هذا الجنون في الأسعار
كل هذه العوامل تؤكد أن الحكومة المصرية تتقاعس بشكل واضح عن أداء دورها في حماية الاقتصاد والمواطنين من تداعيات هذه الفقاعة العقارية المحتملة
فبدلاً من اتخاذ خطوات جادة لخفض الأسعار وإعادة السوق إلى مساره الطبيعي نجد الحكومة تتجه نحو دعم المستثمرين والمطورين على حساب المواطن البسيط في ظل غياب تام لأي رؤية واضحة لكيفية حل هذه الأزمة
ولا يمكننا سوى التساؤل إلى متى ستستمر الحكومة في تجاهل هذه الكارثة المتوقعة التي قد تؤدي إلى انهيار تام في قطاع العقارات المصري
هل سنشهد قريباً انفجاراً مدوياً لهذه الفقاعة العقارية أم أن الحكومة ستتدخل في اللحظة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ وما هو مصير آلاف المواطنين الذين يحلمون بامتلاك مسكن في ظل هذا الجنون السعري؟