في خطوة تعكس حجم الفشل الذريع للحكومة المصرية وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار يهدف إلى إدارة ملف الدين الخارجي بطريقة وصفها كثيرون بأنها غير كافية للتصدي للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها البلاد.
ففي ظل أرقام مروعة تشير إلى زيادة الديون الخارجية لأربعة أمثالها منذ عام 2015، فإن المشروع الجديد يبرز فقط تقاعس الحكومة وعجزها عن مواجهة التحديات الحقيقية التي تضع البلاد على حافة الانهيار.
تشكل اللجنة الجديدة برئاسة رئيس مجلس الوزراء وتضم محافظ البنك المركزي ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ووزير المالية ووزير الاستثمار وممثل عن جهاز المخابرات العامة وآخر عن هيئة الرقابة الإدارية،
لتقوم بمناقشة بدائل سد الفجوة التمويلية بالعملات الأجنبية. ولكن ما هي القيمة الحقيقية لتشكيل هذه اللجنة في ظل وجود فساد مستشري وانعدام الشفافية في كيفية استخدام الأموال العامة؟
يشير المشروع إلى أنه سيتم وضع حد أقصى للاقتراض الخارجي سنوياً، لكن من الواضح أن هذا الإجراء يأتي بعد فوات الأوان. فلا يعكس هذا القرار رغبة حقيقية في الإصلاح بل هو مجرد إجراء شكلي لا يمس جوهر المشكلة.
كيف يمكن للحكومة أن تتحدث عن إدارة الدين الخارجي في الوقت الذي تضاعفت فيه الديون بشكل غير مسبوق، بينما تواصل إنفاق المليارات على مشروعات بناء العاصمة الإدارية الجديدة والتسلح؟
تتحدث الأرقام عن حجم الاقتراض المطلوب من خلال مصادر التمويل المختلفة، ولكن ماذا عن مصادر الفساد التي تضيع هذه الأموال في جيوب الفاسدين؟
كيف يمكن للحكومة أن تقنع المواطنين بأنها تحارب الفساد بينما لا تزال العديد من المشروعات غير مُحاسبة على المليارات التي تم صرفها عليها؟
يتطلب المشروع الجديد موافقة اللجنة على أي مشروع يتطلب الاقتراض من الخارج، قبل أن يعرض على رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية،
ولكن هل يمكن أن نتوقع من هذه اللجنة أن تكون فعالة في مواجهة الفساد المستشري؟ إذ لم يتم تقديم أي تفاصيل حول كيفية عمل اللجنة وآلية الشفافية التي ستعتمدها في اتخاذ قراراتها.
ليس فقط موافقة اللجنة هي المطلوبة بل أيضاً شروط أخرى للتعاقد مع الشركات الأجنبية والمحلية التي ستنفذ المشاريع التي تحتاج إلى مكون أجنبي.
إن هذه الشروط ما هي إلا محاولة لتجميل الصورة دون معالجة جذور المشكلة. الحكومة تستمر في تجاهل المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد.
الأولوية التي يُفترض أن تمنح للاحتياجات الاستراتيجية تتلاشى في ظل الفساد الإداري الذي يقضي على كل محاولة للإصلاح. فبدلاً من مراجعة الظروف الاقتصادية بشكل ربع سنوي كما ينص المشروع، يجب على الحكومة أن تراجع سياساتها الكارثية التي أدت إلى هذه الأزمات.
تدعي الحكومة أن القروض التنموية ستدعم السيولة وتقليل الفجوة الدولارية، ولكن كيف يمكن أن نثق في وعود تأتي من حكومة فشلت في إدارة موارد البلاد بشكل فعال؟ الشروط المتداولة تتطلب دراسة جدوى تنموية مكتملة،
ولكن أي دراسة جدوى يمكن أن تنجح في بيئة فساد وحكومة ضعيفة وعاجزة عن اتخاذ قرارات جريئة تصب في مصلحة الوطن؟
بخلاف الأرقام المثيرة للقلق حول حجم الديون، فإن الوضع في مصر يتطلب استجابة عاجلة من جميع المسؤولين. يتحدث المشروع عن ضرورة إخطار وزارة التخطيط والتعاون الدولي قبل الحصول على تمويل لأي مشروع، ولكن ما هي الجدوى من هذا الإخطار إذا كانت القرارات تُتخذ في خفاء وتُنفذ بعيدًا عن أعين الشعب؟
التقاعس الحكومي ليس مجرد موضوع للدراسة بل هو واقع مرير يعيشه المواطن المصري يومياً. كيف يمكن للحكومة أن تواصل نهج الاقتراض الخارجي
بينما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة؟ هل من المعقول أن تستمر في دفع فواتير الفساد على حساب مستقبل الأجيال القادمة؟
إن الوضع الحالي يتطلب وقفة جادة من جميع المعنيين، ويجب أن يكون هناك حوار شامل يتضمن جميع الأطياف السياسية والمجتمعية للتصدي لهذه الأزمة. فهل ستستمر الحكومة في تجاهل صوت الشعب أم ستستجيب لمطالبه قبل فوات الأوان؟
الوضع الاقتصادي في مصر يتطلب تحركًا سريعًا وفعّالًا، لكن مع حكومة فاشلة تمارس الفساد بوضوح، يبدو أن الأمل في تحسن الظروف الاقتصادية بعيد المنال.
الأرقام تتحدث عن نفسها، والحكومة تعيش في حالة من الإنكار. ماذا تنتظر الحكومة لإجراء تغييرات جذرية تعيد الثقة للمواطنين؟ هل ستظل متمسكة بنفس السياسات التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن؟
إن استمر هذا التوجه، فسيكون المستقبل قاتماً ليس لمصر فحسب بل لكل المصريين الذين يعانون من وطأة هذا الفساد المتفشي والفشل الحكومي الذي لا يرحم.