مقالات ورأى

المعتصم الكيلاني يكتب : السفينة “كاثرين” واستقبالها في ميناء الإسكندرية: تحليل قانوني للمسؤولية الدولية وموقف مصر

المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي

استقبل ميناء الإسكندرية السفينة “كاثرين” المحملة بمواد متفجرة موجهة إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو حدث أثار جدلاً واسعًا وأثار أسئلة قانونية حول مسؤولية مصر في ظل تورط إسرائيل في جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة وجرائم أخرى ضد الإنسانية في لبنان. من الناحية القانونية،

يفتح هذا الاستقبال باب النقاش حول ما إذا كان يعتبر مساهمة، أو تواطؤًا، أو مشاركة في انتهاكات حقوق الإنسان، وما إذا كانت هناك مسؤولية قانونية على الحكومة المصرية لوقف هذه الشحنة.

العواقب القانونية لاستقبال سفينة محملة بالمواد المتفجرة

لا بد من التأكيد على أن تزويد طرف في نزاع مسلح بأسلحة يمكن استخدامها في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية يترتب عليه مسؤوليات قانونية دولية خطيرة. وبالنسبة لمصر،

فإن سماحها لسفينة تحمل مواد متفجرة بالدخول إلى مينائها، وهي موجهة لجيش يواجه اتهامات بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب، يعرضها لاحتمال تحمل المسؤولية القانونية وفقًا للقانون الدولي الإنساني.

ومن هذه القوانين اتفاقيات جنيف والقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي تفرض قيودًا صارمة على التعاملات التي قد تؤدي إلى دعم الأطراف المرتكبة لانتهاكات جسيمة.

هل تعتبر مسؤولية مصر مساهمة أو تواطؤًا أو مشاركة؟

يمكن تصنيف المسؤولية القانونية في حالات مماثلة ضمن ثلاثة مستويات: المساهمة، والتواطؤ، والمشاركة.

1. المساهمة: إذا ثبت أن استقبال السفينة قد سهّل لإسرائيل الحصول على مواد يمكن استخدامها في ارتكاب جرائم ضد المدنيين، فقد ينظر إليه على أنه مساهمة في هذه الجرائم. فالمساهمة تشير إلى تقديم مساعدة غير مباشرة، لكنها قد تكون حاسمة، كالسماح بالمرور أو تقديم تسهيلات لوجستية.
2. التواطؤ: قد يتعدى الوضع مستوى المساهمة ليصبح تواطؤًا، إذا كانت الحكومة المصرية على علم بالغرض النهائي من هذه المواد، وأنها ستستخدم في ارتكاب جرائم حرب أو ضد الإنسانية. وبما أن مصر على دراية بالتوترات والنزاع المسلح القائم مع إسرائيل، فقد يتم تفسير السماح بعبور هذه المواد على أنه دعم متعمد لجهة ارتكبت وسترتكب انتهاكات جسيمة.
3. المشاركة: إذا كان استقبال السفينة وتسهيل مرورها ينطوي على مشاركة فعلية مع علم مسبق بنية إسرائيل في استخدام المواد المتفجرة ضد المدنيين، فقد يُنظر إلى ذلك على أنه مشاركة في الجريمة. في هذه الحالة، تتحمل الدولة مسؤولية قانونية مباشرة كمشارك في الجرائم الدولية، خاصة أن المشاركة ليست مقتصرة على تقديم السلاح فحسب، بل تشمل الدعم غير المباشر للعمليات الحربية.

المسؤولية القانونية لمصر بموجب القانون الدولي

في ضوء ما سبق، تتحمل مصر مسؤولية الالتزام بالمعايير الدولية. ففي ظل ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية، من إبادة جماعية في غزة، وجرائم ضد الإنسانية في لبنان، تعد الحكومة المصرية ملزمة قانونيًا بمنع أي دعم قد يسهم في استمرار تلك الانتهاكات. وتنص مبادئ القانون الدولي على أن أي دولة يجب أن تمتنع عن تقديم الدعم لأطراف ترتكب جرائم حرب،

أو جرائم ضد الإنسانية، وذلك بموجب اتفاقيات جنيف، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي يجرم المساعدة والتحريض والمشاركة في الجرائم الدولية.

ما كان يجب على الحكومة المصرية أن تفعله؟

كان يتوجب على الحكومة المصرية اتخاذ إجراءات حازمة لمنع مرور هذه الشحنة المتفجرة ورفض استقبالها في حال لم تمنع مرورها على الا ، وذلك وفقًا لواجبها في منع الجرائم الدولية وعدم المشاركة فيها بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي هذا السياق، كان من الممكن اتخاذ عدة تدابير:

1. التحقق الدقيق من الشحنة: كان ينبغي على السلطات المصرية أن تقوم بعملية فحص دقيقة لضمان عدم استخدام المواد لأغراض غير مشروعة، خاصة بالنظر إلى الاستخدام المتكرر للمواد المتفجرة من قبل جيش الاحتلال في ضربات تستهدف المدنيين في غزة ولبنان.
2. الامتناع عن تقديم تسهيلات لوجستية: كان يمكن لمصر الامتناع عن توفير التسهيلات اللوجستية اللازمة لاستقبال السفينة. وفي حال وجود ضغوط دولية أو التزامات تجارية، يمكن لمصر طلب توضيحات من الجهة الناقلة عن الغرض من الشحنة وضمان عدم استخدامها لأغراض عسكرية.
3. التنسيق مع الأمم المتحدة: تستطيع مصر إحالة المسألة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة للتحقيق والتأكد من سلامة المواد وللتأكد من التزامها بالقوانين الدولية، وفي حال وجود شبهات يمكن لمصر تفعيل الآليات الدولية لضمان الالتزام بالمعايير الإنسانية.
4. اتخاذ موقف دبلوماسي قوي: يمكن لمصر، وهي عضو في المنظمات الدولية، أن تتبنى موقفًا قويًا ضد تصدير الأسلحة والمواد المتفجرة لدول في حالة نزاع مسلح مع شعوب مدنية، مما يعزز من مكانتها كدولة داعمة للسلام في المنطقة.

العواقب الدولية لمصر إذا استمرت في سياسة السماح

إن استمرار مصر في استقبال سفن مشابهة قد يعرضها لانتقادات واسعة من المجتمع الدولي، وربما يضعها تحت طائلة المساءلة القانونية في حال تصاعدت المطالبات بمحاسبة الدول التي تسهم، بشكل مباشر أو غير مباشر،

في دعم العمليات العسكرية ضد المدنيين. وقد يتم تحريك قضايا دولية تتهم مصر بالمساهمة أو التواطؤ، أو حتى المشاركة، في انتهاكات ضد الإنسانية، ما قد يؤثر على العلاقات الدولية لمصر وعلى وضعها الإقليمي.

ان استقبال ميناء الإسكندرية للسفينة “كاثرين” يعدّ خطوة خطيرة تثير التساؤلات حول المسؤوليات القانونية لمصر، ودورها في تجنب دعم أو تسهيل الجرائم الدولية. على الحكومة المصرية أن تعيد النظر في سياساتها الخاصة بالتعاون اللوجستي والتجاري،

وأن تتخذ إجراءات فعّالة لضمان عدم التورط في نزاعات مسلحة تنتهك حقوق الإنسان، وخاصة في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، مما يضمن لها موقفًا متماشيًا مع القانون الدولي ومسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى