في خضم الصراعات المتزايدة التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط تتضح الصورة الكارثية لتجاهل الحكومة المصرية لمصالح البلاد الاقتصادية
حيث أعلنت شركة هاباج لويد الألمانية للشحن والتي تُعد خامس أكبر شركة شحن في العالم أنها لن تعيد النظر في استخدام قناة السويس خلال رحلاتها الحالية وهذا يعكس فشل الحكومة في تأمين هذه البوابة التجارية الحيوية التي تُعتبر شريان الحياة للاقتصاد المصري
منذ نوفمبر الماضي بدأت الشركات الكبرى في عالم الشحن مثل هاباج لويد وميرسك بالابتعاد عن الطرق الملاحية عبر البحر الأحمر وقناة السويس نتيجة للهجمات المتكررة من الحوثيين اليمنيين والتي تستهدف السفن التجارية مما أثر سلبا على حركة التجارة العالمية واستمرارية إيرادات قناة السويس ذات الأهمية القصوى
تحويل مسار السفن وزيادة التكاليف
بدلاً من استخدام قناة السويس الممر المائي الذي يختصر الكثير من الوقت والتكاليف قررت شركات الشحن الكبرى تحويل مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح لتفادي الهجمات المدمرة من الحوثيين وهو ما أدى لزيادة الرسوم المقررة على الشحن
مما زاد من الأعباء المالية على العملاء وأضاف أياماً أو حتى أسابيع على زمن نقل البضائع بين آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية هذه التحولات الجذرية أظهرت مدى عجز الحكومة المصرية عن توفير بيئة آمنة للتجارة
وفقاً لمجموعة ميرسك الدنماركية للشحن التي أعلنت في الأول من أغسطس الماضي أن الاضطرابات في حركة الشحن ستستمر حتى نهاية 2024 على الأقل فإن الوضع يزداد سوءا ويؤكد أن الأزمة ليست مجرد حدث عابر بل هي نتيجة لفشل استراتيجي طويل الأمد من قبل الحكومة المصرية في تأمين التجارة العالمية
الأرقام تتحدث عن نفسها
تأتي تصريحات كريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد الدولي لتزيد الطين بلة حيث كشفت أن الاقتصاد المصري يواجه تحديات ضخمة بسبب الأزمات المتلاحقة في غزة ولبنان والسودان
والتي تسببت في خسارة 70% من إيرادات قناة السويس هذه الأرقام تدق جرس إنذار لكل من يعتبر الوضع تحت السيطرة في ظل غياب الخطط الفعالة للتعامل مع الأزمات التي تؤثر على البلاد
لقد استمرت هذه الأرقام في التدهور ولم تتخذ الحكومة المصرية أي خطوات فعلية للتخفيف من وطأة الأزمة وهذا ينم عن تقاعس واضح وفساد عميق ينخر في عظام الدولة فلا تكاد تصرح الحكومة بشيء إلا وتكتشف أنه مجرد مسكنات لا تعالج الجذور بل تعمق الجراح
الحوثيون وأثرهم المدمر
في ظل هذه الظروف الاستثنائية أعلن الحوثيون أنهم استهدفوا السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها في البحر الأحمر وبحر العرب كجزء من ردودهم على الأحداث في غزة
بينما تدخلت واشنطن ولندن من خلال تحالف يقوم بشن ضربات عسكرية على الحوثيين وهو ما زاد من تصعيد التوتر في المنطقة وباتت جميع السفن الأميركية والبريطانية أهدافًا عسكرية
تؤكد هذه الأحداث على ضرورة إعادة النظر في السياسات الحكومية المصرية التي تجاهلت تحذيرات الخبراء والمحللين من مغبة تجاهل الخطر القادم من الحوثيين ومن تبعات الأزمات الإقليمية وما ينجم عنها من تدهور اقتصادي
الحكومة المصرية في مهب الريح
من المؤسف أن الحكومة المصرية لم تتخذ خطوات ملموسة لمواجهة هذه التحديات بل إن الفساد الإداري والسياسي قد أثر بشكل كبير على القرارات الاقتصادية
فقد استمر المسؤولون في إلقاء اللوم على الأحداث الخارجية دون إدراك أو رغبة في معالجة الفشل الذاتي الذي قاد البلاد إلى هذه الهاوية
كل تلك المعطيات تشير إلى أن الحكومة ليست فقط عاجزة عن مواجهة الأزمات بل هي أيضا فاسدة في إدارتها لشؤون البلاد مما يزيد من حدة الأزمات ويعمق من معاناة الشعب المصري الذي يدفع الثمن غالياً نتيجة لسياسات فاشلة وقرارات غير حكيمة
أزمة قناة السويس تتطلب تدخل فوري للحكومة المصرية
تتطلب المرحلة الحالية إجراءات جذرية من قبل الحكومة المصرية لتفادي الانهيار الكامل لقناة السويس والتي تعد شريان الحياة للاقتصاد لكن في ظل استمرار الفساد والتقاعس
فلا يبدو أن هناك أمل يلوح في الأفق لتغيير هذا الواقع الأليم هذا التقرير ليس مجرد تحذير بل هو صرخة مدوية تعبر عن واقع مرير يحتاج إلى ثورة حقيقية في السياسات الاقتصادية والإدارية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان