تعتبر الدبلوماسية مهمة عسيرة لراسمي السياسات الخارجية، وهي في كل الحالات تعبير عن حجم الدولة ومكانتها، وأيضا تحدد الديناميكيات المتحركة لحل القضايا حتى تلك المستعصية على الحل. في كل جانب من هذا الكون، هناك أنظمة قد أطالت أمد النزاعات وجعلتها أكثر قبحا، وتتاجر بها، وفرقت شعوبا ودولا وأضاعت فرصا كثيرة للبناء الجماعي والإقليمي.
قال الملك محمد السادس إن قضيتنا الوطنية هي المنظار الذي نقيس به علاقاتنا مع الآخر، وعلى أساس هذا الخطاب، تحركت الدبلوماسية المغربية، وغيرت من قواعد الاشتباك الدبلوماسي الخارجي، نصرة للقضايا الإستراتيجية للمملكة، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.
بعد سنتين عجاف، في العلاقات المغربية الفرنسية، اليوم، وصل إيمانويل ماكرون إلى الرباط، ليدشن زيارة دولة استثنائية، ولأول مرة، يؤكد المتتبعون، حصول تحولات عميقة تهم موقع المملكة داخل دهاليز التفاوض، إذ انتقلت من موقع رد الفعل إلى الفعل، وهي القاعدة التي تبنتها مع الحلفاء والخصوم على حد سواء فيما يخص القضية الوطنية.
الزيارة التي حددت الرباط تاريخها، وليس كما حاول الإيليزي، في السابق، فرض قواعد تحديد الزمان على الأقل، هذا ما يضعنا أمام تغير المعادلة، أي وضع الحدث وفق المحدد الكلاسيكي لما يربط المملكة بالجمهورية، وفق قواعد مغايرة لما أفرزته حقبة الاستعمار.
المملكة ومنذ 12 قرن، ورغم الصراعات ومراحل ضعف عرفتها على مر التاريخ، لم تسمح لأحد أن يتحكم أو يرسم سياساتها الخارجية أوالداخلية، لذا المملكة لم تترك للآخرين سلطة اختيار حلفائها ولا تصنيف خصومها.
كما أعتقد، من خلال فهم مجريات الأحداث، أن الرباط فرض شروط هذه الزيارة من منطلق اختياره لعاملي التاريخ والجغرافيا، التوقيت مناسب جدا، في وقت تخسر فرنسا كثيرا في إفريقيا، والمغرب يكسب الكثير في أدغال القارة بتوغل اقتصادي واستثماري كبير.
إذن قواعد اشتباك الرباط الخارجية تغيرت وفق قواعد جديدة تعتمد فيها المملكة على عوامل كثيرة، أهمها الاستثمار في التنمية والاستثمار في الاستقرار في إفريقيا، في احترام تام للسيادة الوطنية للآخرين ، وأيضا العمل على تقارب ثقافي واجتماعي الذي تحتاجه الشعوب الإفريقية وغيرها من المجتمعات في ظل صراعات مدمرة.
فرغم التقارب المغربي مع فرنسا وأمريكا، تحافظ المملكة على شراكاتها المتقدمة مع بكين وموسكو، ووقوفها بحياد إيجابي تجاه عدد من الملفات التي تساهم في حلها، دون المساس بسيادة أي دولة.
فرنسا اليوم تزور المغرب، وقوى سياسية عميقة بالإليزي تكلف ماكرون بربح مكاسب كثيرة ليس في المغرب فقط لكن بإفريقيا كلها.