مقالات ورأى

وليد عبد الحي يكتب : الإدارة الايرانية للمواجهة مع اسرائيل


من المتعذر في فهم ابعاد المواجهات الدولية اقتصار النظر على بعد واحد، فأدوات الصراع تشمل البعد السياسي والاقتصادي والعسكري والاعلامي على المستويات الثلاثة المحلي والاقليمي والدولي، وتشكل حصيلة التفاعل بين هذه الادوات هي قاعدة التقييم لمدى فشل او نجاح اي من طرفي الصراع.


أولا: كيف يُتخذ القرار الايراني استراتيجيا :


يشكل المجلس الأعلى للامن القومي الايراني الهيئة المركزية لاعداد الخطط في مجال السياسات الامنية والدفاعية، والتنسيق بين نشاطات الهيئات الامنية(المخابرات والامن الداخلي..الخ) بما يخدم سياسات الامن القومي،واستثمار المقومات المادية والفكرية التي يمتلكها المجتمع لانجاز الخطط الاستراتيجية.


لكن الموضوع الاهم هو ان كل ما سبق يجب ان يتم في ضوء الخطوط الاستراتيجية العريضة التي يرسمها المرشد الاعلى، فهو الذي يعين رئيس المجلس ،

ولا بد من تصديقه على قرارات المجلس. وعند النظر في اعضاء المجلس نجد ان الاعضاء ال 23 اغلبهم ينتمون للمؤسسات العسكرية(الجيش والحرس الثوري والمخابرات والداخلية) الى جانب الخارجية والمالية والقضاء والاعلام والعلوم والمندوب في الامم المتحدة الى جانب الوزير المعني بالموضوع المطروح للنقاش ناهيك عن ممثل المرشد.


ورغم نزعة التوافق(Consensus ) في اتخاذ القرار بهدف الحيلولة دون عمل المعارضين للقرار المتخذ على عرقلته واثبات صحة معارضتهم ، إلا ان وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف(2013-2021) يشير في كتابه الموسوم ” Depth of Patience “Theالى وجود المماحكات داخل المجلس كما وقع بينه وبين الأمين العام السابق للمجلس علي شمخاني، كما يؤكد هيمنة الحرس الثوري على تحديد توجهات المجلس.


ثانيا : إدارة الصراع مع اسرائيل :يمكن القول بداية ان نقاط الضعف الايرانية الأهم في مواجهة اسرائيل هي:
أ‌- المعارضة الداخلية القابلة للتعاون مع اية جهة ضد النظام في ايران،وهو امر شبه غائب بالمقابل في اسرائيل ، فقوى المعارضة الايرانية العلمانية والقوى التي تمثل شرائح من الاقليات (الكردية والبلوشية والعربية والأذرية،

والكثير منها على اطراف الجغرافيا الايرانية ) تشكل ثغرة في امكانية استثمارها من القوى الغربية واسرائيل والمطبعين العرب، وهو ما يصرف جزءا من الانشغال الامني الايراني للداخل،

وهو ما تعمل اسرائيل على استثماره، والذي اتضح في ان شبكات التجسس الاسرائيلية التي يتم كشفها في ايران اكثر تواجدا منها في اسرائيل، وتقتصر عمليات التجسس الايراني في اسرائيل على “افراد” ناهيك عن قلتها.
وللرد على هذه المسألة، وجدت ايران ان تبادل المصلحة مع قوى المقاومة في الداخل الفلسطيني يضعف مع النقطة السابقة في مواجهة اسرائيل، فالمقاومة الفلسطينية ونتيجة التخلي العربي الرسمي عنها وجدت في ايران حلا لظلم ذوي القربى ،

بالمقابل فإن ايران تجد ان من حقها ومصلحتها أن تستثمر المواجهة الفلسطينية مع اسرائيل ،وهو ما يجعل الفضاء السياسي في علاقاتها مع المجتمع العربي أكثر رحابة.


ب‌- ان النظر الى التطويق المتبادل بين ايران واسرائيل يكشف بعدا آخر، فالقواعد الامريكية بشكل خاص والغربية بشكل عام في المنطقة –واغلبها في ديار العرب- يمثل تطويقا جيوعسكري لايران،

ويتدعم هذا التطويق لإيران بتنامي العلاقة بين أذربيجان واسرائيل الى حد التواجد الاسرائيلي على الحدود بين ايران واذربيجان، وتبادل التجارة بين البلدين من خلال السلاح الاسرائيلي لأذربيجان والنفط الأذري (40%) لاسرائيل.


مقابل هذا التطويق لا بد لايران من الرد، وتجلى هذا الرد بعد طوفان الاقصى، ويكفي تأمل المعطيات التالية:
1- تمكن حزب الله(الذي يصفه اعلام الاعراب بانه المدعوم من ايران) حتى الآن (وطبقا للمصادر الاسرائيلية الأكثر اطلاعا وتخصصا) من اطلاق ما يعادل 13 الف صاروخ على اسرائيل ، وتهجير أكثر من 110 آلاف مستوطن وتفريغ حوالي 45 مستوطنة من سكانها، ناهيك عن انهاك اقتصادي شل اغلب المؤسسات الانتاجية والتعليمية في شمال فلسطين المحتلة،

وكل ذلك ادى الى مقتل ما يقارب مائة اسرائيلي في هذه الجبهة واتساع الهجرة من اسرائيل للخارج،ناهيك عن هروب 62% من الاستثمارات الاجنبية.
2- في يوليو الماضي ونتيجة لضربات انصار الله اليمنيين اعلنت ادارة ميناء ايلات عن الافلاس التام ، وهو ما يعني توقف الميناء عن العمل ،مع التنبه الى ان الميناء كان ينقل 28% من تجارة اسرائيل، ناهيك عن التأثير على اجمالي النقل البحري وزيادة تكاليف التأمين على الشحن لاسرائيل .


3- ان الاستنزاف للحياة العامة الاسرائيلية من خلال الهجمات على اسرائيل من كافة اطراف محور المقاومة جعل اسرائيل تقف في المرتبة 155 بين 163 دولة من حيث عدم الاستقرار السياسي، اي انها تقع ضمن اسوأ ثمانية دول في العالم في معدل الاستقرار السياسي.
4- إذا كانت اسرائيل هاجمت مواقع عسكرية في ايران في هجومها الاخير بخاصة مصانع الصواريخ(طبقا للرواية الاسرائيلية )، فان هجمات المقاومة الاسلامية اللبنانية خلال الايام الماضية على شركة تاع للصناعات العسكرية وشركة يوديفات للصناعات العسكرية ليست خارج الحساب الايراني في إدارة المواجهة ، ناهيك عن البيانات من قوات الحشد الشعبي العراقي.


ثالثا: من الواضح ان درجة التزام الحلفاء لكل من طرفي الصراع تشير الى أنه اعلى لصالح اسرائيل، فدرجة الالتزام الامريكي والى حد ما الاوروبي تجاه الامن الاسرائيلي أعلى وبشكل واضح من درجة التزام حلفاء ايران بخاصة روسيا والصين، فالشراكة الاستراتيجية التي تم نسجها بين طهران وكل من موسكو وبكين لها تأثير لا جدال فيه، لكنه ما زال قاصرا عن مستوى الالتزام الامريكي الاوروبي تجاه اسرائيل، وهو ما تحاول ايران سد فجواته، مما قد يدفعها لمساومات دولية مُكلِفة.
رابعا: الجبهة الاعلامية:


إذا استبعدنا الاعلام الخليجي الرسمي أو المدفوع الثمن او الغيبي ضد ايران ، فان الاعلام المساند لايران في الاقليم ما زال أقل تأثيرا ومحدودا ، لكن العديد من الدراسات تشير الى ان هناك “بذور تحول” في معالجة الاعلام الغربي –وهو الاكثر تاثيرا- للموقف من اسرائيل، ولعل الجامعات والمظاهرات الشعبية وتقارير المؤسسات الدولية الخاصة والعامة ،بل مواقف الامم المتحدة تشكل جدولا لري تلك البذور ، وهو ما يصب في المصلحة الايرانية في هذه المواجهة.
خامسا: الجبهة الاقتصادية:


فرضت الولايات المتحدة ودول اخرى عقوبات اقتصادية على ايران في 3 محطات: 1979( بسبب استيلاء الطلاب على السفارة الامريكية في طهران بعد اشتعال الثورة وبسبب اغلاق السفارة الاسرائيلية واعتبارها سفارة لفلسطين) ووقف بيع النفط الايراني لاسرائيل، أما المحطة الثانية فكانت عام 1987 بسبب ما اعتبرته الولايات المتحدة سياسات عدوانية من ايران تجاه دول الخليج، ثم عادت لموجة جديدة من الحصار بعد رفض ايران وقف برنامج تخصيب اليورانيوم عام 2006، ومن المؤكد ان اللوبي اليهودي كان مساندا وبقوة لكل هذه الاجراءات.


وقد ادت هذه العقوبات التي بلغ مجموع بنودها الى( 5155 عقوبة) (أكرر 5155) الى تعثر معدلات النمو الاقتصادي ، وارتفاع مستويات التضخم والبطالة،وانخفاض قيمة العملة المحلية،واستمرار العجز في الميزان التجاري وتراجع معدل دخل الفرد الايراني خلال السنوات الخمس الاخيرة بحوالي 25% ، لكن هذه الآثار الموجعة لم تؤد الى تغير في النظام السياسي او التغير في توجهاته في مساندة الحقوق الفلسطينية ، وبدأت ايران بانشاء شركات وحسابات “لوكلاء وهميين لها” لتخفيف آثار ذلك، ثم استثمرت الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على دول اخرى ،وعملت على تحالف المتضررين” من السياسات الاقتصادية الغربية، الى جانب سعي ايران لاسترخاء العلاقات العربية الايرانية من خلال التواصل الدبلوماسي مع دول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر، رغم تواضع النتائج واستمرار الحذر بين الجانبين العربي والايراني بحكم عمق الظنون المتبادلة،وهو امر تغذيه الاطراف المعادية لايران.


وبالمقابل فان اسرائيل لا تعاني من هذه الناحية، لكن اسرائيل تحتل المرتبة الاولى في مؤشر العسكرة وهي ضمن الدول الأعلى في معدل الانفاق العسكري الى اجمالي الناتج المحلي بفعل البيئة الاقليمية غير الآمنة التي لا شك ان ايران تساهم في استمرارها حول اسرائيل.


الخلاصة:


ان اقتصار التقييم للمواجهة الايرانية الاسرائيلية على الضربات المتبادلة بينهما مباشرة هو خلل منهجي ، فالمواجهة اوسع من حلبة الملاكمة القطرية الثنائية بينهما، اما ثقافة المؤامرة واعتبار ما يجري هو عبارة عن ” مسرحية” فهو امر لم اعثر عليه في اية ادبيات سياسية او تقارير مراكز ابحاث او اطروحات جامعية يعتد بها إلا في “ديار الاعراب” او في ديار ” يمولها الأعراب ” ..ربما.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى