تقاريرثقافة وفنون

منع “آخر المعجزات”: سلاح جديد في حرب الإبداع المصرية

في حدث صادم لعشاق الفن والثقافة، تم منع عرض الفيلم القصير “آخر المعجزات” قبل ساعات قليلة من انطلاق مهرجان الجونة السينمائي في 24 أكتوبر، ما أثار غضبًا عارمًا لدى الجمهور والمشاركين.

القرار الصادر عن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية جاء دون توضيحات، مما جعل التساؤلات تتزايد حول الأسباب الحقيقية وراء هذا المنع المفاجئ.

هذا الأمر يطرح العديد من المخاوف حول مستقبل الإبداع في مصر في ظل القيود المفروضة على العمل الفني.

الفيلم من تأليف عبد الوهاب شوقي ومارك لطفي، ويتميز بإخراج شوقي وبطولة عدد من الوجوه المعروفة مثل خالد كمال وأحمد صيام.

ومع ذلك، وبحسب تقارير صحفية، فإن قرار منع الفيلم اتخذته الرقابة برئاسة خالد عبد الجليل، الذي سحب التراخيص الممنوحة له دون تقديم أي تفسير. هذا التصرف الغامض يزيد من حالة الاستياء والقلق بين المهتمين بالشأن الفني.

حتى الآن، لم يصدر أي بيان رسمي يوضح سبب المنع أو الأسباب التي دفعت الرقابة لاتخاذ هذا القرار قبل ساعات من العرض.

هل يعكس ذلك خوفًا من احتجاجات أو ردود فعل سلبية محتملة؟ من الواضح أن الفيلم كان قد حصل بالفعل على الترخيص، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الرقابة قد اكتشفت فجأة ما يعتبره مخالفة للقانون، أم أن هناك جهة أخرى ضغطت لتغيير قرارها؟

الأسئلة حول هذه الحالة تكشف عن واقع مرير؛ حيث يبدو أن هناك جهودًا متعمدة لهدم الثقافة والفنون المستقلة، في زمن يسعى فيه الجميع إلى التأميم الكامل للقطاع الفني.

فقد أصبحت شركات الأجهزة الكبرى هي المتحكم الرئيس في إنتاج وعرض الأعمال الفنية، مما يثير الشكوك حول مدى حرية الإبداع في المشهد الثقافي المصري.

فيلم “آخر المعجزات” مقتبس من قصة “خمارة القط الأسود” للأديب الراحل نجيب محفوظ، والتي تحكي عن محرر في قسم الوفيات يقع ضحية لمقلب من صديقه.

على الرغم من عدم مشاهدتنا للفيلم بعد، إلا أنه يجب التنويه إلى أن العديد من الأعمال الدرامية المأخوذة من قصص محفوظ كانت قد نالت إعجاب الجمهور، مثل “السيرة العاشورية” و”حديث الصباح والمساء”، بالإضافة إلى “أفراح القبة” الذي عُرض في عام 2016.

الغريب أن الرقابة كانت قد أعطت الموافقة على عرض الفيلم قبل سحب الترخيص، بل إنه تم منح التصاريح خلال فترة التصوير في وسط القاهرة.

القصة التي تعود إلى عام 1968 لم يتم منعها سابقًا، وما زالت تُعاد طباعتها حتى اليوم دون أي جدل أو اعتراض. يعكس هذا الوضع تناقضًا صارخًا في معايير الرقابة اليوم.

الأعمال الفنية التي يعتز بها المجتمع لم تكن لتخرج بهذا الشكل المبدع لولا وجود قدر من الحرية، حتى وإن كان جزئيًا، قبل أن تتم عملية التأميم الكاملة.

يبدو أننا نعيش في زمن يواجه فيه الإبداع قيودًا شديدة، حيث تم الانتقادات الموجهة للرئيس، الذي يعتبر فيلم “الإرهاب والكباب” علامة بارزة في السينما المصرية، ويُظهر كيف أن القمع قد يتحكم في مهنة الفن بشكل غير مسبوق.

ليس من المستغرب أن منع فيلم “آخر المعجزات” ليس الأول، فهناك العديد من الأفلام التي تعرضت لمنع مشابه، بدءًا من “صبي من الجنة” إلى فيلم “الخروج: آلهة وملوك”،

بل إن بعض الأعمال الأجنبية مثل مسلسل “moon knight” تم منع تصويرها في مصر. حتى أفلام مثل “الملحد” تم منعها لمجرد اسمها، مما يبرز مدى القمع الممارس على الفنون.

لكن القمع لا يقتصر فقط على الأعمال السينمائية، بل يمتد ليشمل الأدب أيضًا. فقد شهدت دور النشر اعتقالات واقتحامات، كما أُغلقت بعض المراكز الثقافية، مما يظهر بوضوح أن هناك حربًا شاملة على الثقافة والإبداع بشكل عام في مصر.

حرية التعبير والإبداع حق دستوري لكل مصري، سواء كان محترفًا أو هاويًا. من المفترض أن يقتصر دور الرقابة على متابعة أي مخالفات قانونية مثل التحريض على العنف،

بدلًا من انتهاك الدستور وحرمان المجتمع من أعماله الفنية. إذا استمرت هذه الجهات في سيطرتها الحالية، فإن المشهد الثقافي في البلاد قد يواجه خطر الاندثار.

من الضروري أن نرى بيانًا رسميًا يوضح أسباب منع الفيلم، أو على الأقل أن تكون هذه الحادثة هي النهاية لسلسلة من المنع والقيود المفروضة على جميع المجالات في البلاد. الثقافة والإبداع هما روح المجتمع، ولا يمكن تجاهلهما أو إهمالهما، لأنهما يمثلان هوية أمة وثقافتها.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى