في مشهد يتكرر باستمرار يبدو أن الحكومة المصرية تتجاهل كل من الأزمات المالية والفساد المتفشي في مفاصل الدولة.
وفي إطار برنامج الطروحات الحكومية تسعى الحكومة لبيع 30% من أسهم بنك المصرف المتحد قبل نهاية العام. هذا الإعلان جاء في وقت تزايدت فيه علامات الاستفهام حول جدوى تلك الخطوة.
بنك المصرف المتحد أطلق في بيانه الرسمي تفاصيل الطرح المثير للجدل حيث أعلن أنه يعتزم طرح 330 مليون سهم في البورصة.
يتضح من البيانات أن البنك يشتغل على الحصول على الموافقات اللازمة من الهيئة العامة للرقابة المالية والبورصة. ولكن لماذا تتطلب هذه الموافقات وقتا طويلا إذا كان كل شيء يسير على ما يرام؟
الطرح يتضمن عرض خاص للمؤسسات المحلية والأجنبية وأيضًا طرح عام للمستثمرين الأفراد. وهذا يثير تساؤلات حول مدى الشفافية
في هذا الطرح وكيف يمكن للمستثمرين الأفراد الحصول على الفرص المتساوية في مثل هذه الصفقة الكبرى. إن هذا التمييز بين المستثمرين هو مثال صارخ على عدم تكافؤ الفرص في السوق المصرية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تسعى فيها الحكومة لبيع المصرف المتحد. البنك المركزي حاول أكثر من مرة بيع المصرف دون أي نتائج ملموسة.
وهذا يشير إلى فشل الحكومة في إدارة هذا الملف واستمرارها في اتباع سياسات لم تؤت ثمارها. الأرقام تتحدث عن نفسها حيث بلغ صافي دخل المصرف المتحد 1.7 مليار جنيه في النصف الأول من العام.
لكن ما يثير القلق هو أن القروض الرديئة التي يمتلكها البنك تصل إلى 600 مليون جنيه. كيف يمكن لبنك في مثل هذه الحالة المالية أن يطرح أسهمه بهذه الطريقة؟ إن القضايا المالية المحيطة بالبنك تلقي بظلالها على مصداقية هذا الطرح وتضع الحكومة في موقف حرج.
تاريخ بنك المصرف المتحد ليس بجديد بل يعود إلى عام 2006 حيث تأسس من دمج ثلاثة بنوك. ولكن لا تزال الحكومة تملك 99.9% من أسهمه
وهذا يثير القلق بشأن استقلالية البنك وقدرته على المنافسة في السوق. في ظل هذه الأوضاع المالية الهشة يظل عدد فروع البنك 54 فرعًا فقط في 18 محافظة.
بينما يسعى بنك المصرف المتحد إلى طرح أسهمه في البورصة، فإن الغالبية العظمى من المصريين لا يرون أي فائدة من هذا الطرح.
في ظل الفساد الإداري وغياب الشفافية تظل الحكومة تماطل في تقديم معلومات حقيقية عن الأوضاع المالية للمصرف. هذه السياسة لا تعكس إلا عدم الاكتراث بالمواطنين ومصالحهم.
من الضروري أن يتم تناول قضايا الفساد بجرأة وشجاعة. فالأرقام توضح أن هناك ممارسات تضر بالمصلحة العامة. ينبغي على الحكومة المصرية أن تأخذ هذه القضايا بعين الاعتبار وأن تبدأ في اتخاذ خطوات فعلية لتحقيق الشفافية والعدالة المالية. التجارب السابقة تُظهر أن هناك حاجة ماسة لإصلاحات حقيقية.
إن واقع الفساد الإداري والمالي في البلاد ينعكس على استثماراتها. كيف يمكن جذب مستثمرين في ظل بيئة غير موثوقة؟ إذا استمرت الحكومة في إهمال الشفافية وتجاهل الأزمات فستكون النتيجة كارثية على الاقتصاد المصري. الوقت قد حان لرفع الصوت والمطالبة بتغيير جذري.
الأرقام تتزايد وتؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة. بينما تسعى الحكومة لطرح أسهم المصرف المتحد، لا بد أن تدرك أن الفشل في تحقيق نتائج إيجابية سيكون له تأثيرات خطيرة على الاقتصاد. إن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة لتغيير هذا الاتجاه وإعادة الثقة للمستثمرين والمواطنين.
ولا بد من مواجهة الفساد بوضوح وحزم. إن استمرار الفشل الحكومي في تحقيق الشفافية والعدالة المالية يجعل المشهد أكثر قتامة.
إذًا إلى متى ستظل الحكومة تتجاهل حقائق مؤلمة تتعلق بالفساد والأزمات المالية؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرحه كل مصري.