تقاريرمصر

الحكومة المصرية تخفض أهداف الطاقة المتجددة .. فساد وازمات تهدد الاقتصاد الوطني

في خطوة مثيرة للجدل تثير تساؤلات حول مستقبل الطاقة في مصر، أعلن وزير البترول كريم بدوي عن قرار خفض مستهدفات الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من 58٪ في عام 2035 إلى 40٪ في عام 2040، ما يثير الشكوك حول قدرة الحكومة المصرية على الوفاء بالتزاماتها البيئية والاقتصادية.

هذا القرار يفتح الباب أمام تساؤلات كبرى حول استراتيجيات الحكومة في إدارة موارد الطاقة وتأمين الاحتياجات المستقبلية، خصوصاً في ظل الضغوط المتزايدة على الاقتصاد الوطني نتيجة الاعتماد الكثيف على استيراد الطاقة الأحفورية.

مصر كانت قد وضعت لنفسها هدفًا طموحًا بالوصول إلى نسبة 42٪ من الطاقة المتجددة بحلول 2035، لكن قبل استضافة قمة المناخ COP27 في عام 2022، قررت الحكومة تقديم هذا الموعد إلى عام 2030، مما أعطى انطباعًا بأنها تسعى لتحقيق طفرة في هذا المجال.

وفي يونيو 2023، خرج وزير الكهرباء محمد شاكر بتصريح جديد يُعلن فيه تعديل الاستراتيجية الوطنية للطاقة الخضراء، ليرفع المستهدف إلى 58٪.

لكن، على الرغم من هذه الأهداف المعلنة، يبقى الواقع الفعلي محبطاً للغاية. فالطاقة المتجددة في مصر تمثل أقل من 10٪ فقط من إجمالي القدرة الكهربية المتاحة في البلاد، إذ لم تتجاوز القدرة الكهربية المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة بنهاية عام 2023 حاجز الـ6690 ميجاوات.

الأحلام الكبيرة تصطدم بواقع قاتم .. الفساد وسوء التخطيط يدفعان الثمن

بدلاً من توجيه الاستثمارات نحو مشروعات الطاقة المتجددة كما كان يجب، اختارت الحكومة المصرية الاعتماد المفرط على الغاز الطبيعي، الذي يشكل حالياً نحو 80٪ من إجمالي إنتاج الطاقة في مصر.

هذا التوجه نحو الغاز تم تسريعه بعد اكتشافات الغاز الضخمة في شرق البحر المتوسط منذ عام 2015، وهو قرار يعكس قصر نظر الحكومة وفسادها في إدارة الموارد، حيث فضلت الاستثمار في المحطات التقليدية العاملة بالغاز بدلاً من تعزيز مشروعات الطاقة النظيفة.

قرار اليوم بخفض مستهدفات الطاقة المتجددة لا يعكس سوى المزيد من التخاذل من قبل الحكومة في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية، بل يؤكد مرة أخرى على هيمنة الفساد وسوء التخطيط في إدارة ملف الطاقة في مصر.

التأثير الاقتصادي لهذه السياسات الكارثية يظهر جلياً في ارتفاع فاتورة استيراد المنتجات الأحفورية، والتي باتت تمثل عبئًا ضخمًا على ميزان المدفوعات المصري.

فقد أعلنت مصر مؤخراً عن طرح مناقصة لشراء 20 شحنة من الغاز المسال لتأمين احتياجات الدولة خلال الربع الأول من 2025، ما يعني زيادة الضغط على الموازنة العامة للبلاد.

فاتورة استيراد الطاقة في مصر تجاوزت الـ13 مليار دولار سنوياً، سواء من النفط الخام أو الغاز الطبيعي، وهذا المبلغ الهائل يساهم بشكل مباشر في تفاقم الأزمة الاقتصادية.

كل هذا يأتي في ظل تعويم الجنيه المصري، مما يزيد من حجم الكارثة الاقتصادية التي تواجهها الحكومة المصرية ويضع المزيد من الأعباء على المواطن العادي.

سياسات الحكومة تزيد التضخم وتفاقم الأزمات

في سياق هذه الفوضى المتزايدة في إدارة ملف الطاقة، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عدم رفع أسعار الوقود لمدة ستة أشهر، في محاولة لكبح جماح التضخم.

لكن هذه التصريحات تثير استهجاناً واسعاً، إذ أن رفع أسعار الوقود كان سبباً رئيسياً في تضاعف الأعباء التضخمية. وتغطية عجز الموازنة عبر زيادات الأسعار يزيد من معاناة المواطن، ولا يوفر حلولاً حقيقية، بل يستمر في تأجيج التضخم.

وفي حين أن الحكومة تراهن على هذه السياسات للوصول إلى “نقطة التعادل” بين النفقات والإيرادات، فإن الحقيقة هي أن كل خطوة في هذا الاتجاه تؤدي إلى تفاقم الأزمة، مع تدهور قيمة الجنيه المصري وتزايد التكاليف المعيشية.

المشكلة الحقيقية في هذه السياسات أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع المعيشي للمواطن المصري الذي يعاني يوميًا من ارتفاع تكاليف الكهرباء، الغاز، الوقود، وأجرة المواصلات.

الأزمات الاقتصادية المتتالية تجعل من الصعب على المصريين تحمل تكاليف الحياة اليومية، في ظل انهيار قيمة الجنيه وتزايد الفواتير بشكل غير مسبوق.

الطاقة المتجددة .. أمل مصر المفقود في ظل فشل الحكومة

الحكومة المصرية تبدو وكأنها فقدت السيطرة على ملف الطاقة بالكامل. ففي ظل تراجع إنتاج الغاز الطبيعي وتفاقم فاتورة استيراد الطاقة، تبدو الطاقة المتجددة حلاً مثاليًا لتخفيف الأعباء الاقتصادية على الدولة والمواطن.

لكن، بدلاً من تعزيز هذه المشروعات الحيوية، نرى الحكومة تخفض مستهدفاتها، مما يعكس غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح.

أصبح من الواضح أن التخفيض المستمر في مستهدفات الطاقة المتجددة ليس سوى تأكيد على الفشل الحكومي المستمر. الحكومة لا تقدم حلولًا مستدامة، بل تكرر أخطاءها السابقة، ما يدفع بالبلاد نحو أزمة طاقة متفاقمة.

المواطن المصري بات يتحمل وحده ثمن هذه السياسات الكارثية، وسط تراجع اقتصادي واضح وعجز الحكومة عن إيجاد مصادر جديدة للعملة الأجنبية، مما يجعل التوقعات المستقبلية أكثر قتامة.

وزير البترول يخفض مستهدفات الطاقة المتجددة .. فاتورة الطاقة المستوردة تهدد الاقتصاد المصري

الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري، وإهمال مصادر الطاقة المتجددة، لا يمثل سوى إصرارًا على السير في طريق مسدود.

في ظل هذه الأزمات المتتالية، لا يبدو أن هناك أي أفق لحلول جذرية، خاصة مع استمرار الحكومة في تجاهل الأولويات البيئية والاقتصادية.

بدون استراتيجية واضحة ومستدامة للطاقة، سيبقى الاقتصاد المصري رهينة للتقلبات العالمية في أسعار الطاقة، وسيدفع المواطن الثمن في النهاية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى