مع اقتراب زيارة المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إلى مصر، يتضح يوماً بعد يوم أن الحكومة المصرية تغرق البلاد في مستنقع الديون والفساد.
في حين تكشف المصادر عن ثلاثة سيناريوهات جديدة لتغيير شروط القرض، يبدو أن هذه السيناريوهات ليست سوى محاولات يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ظل الفشل الذريع الذي يحيط بالاقتصاد المصري.
أول هذه السيناريوهات يتضمن تمديد برنامج القرض لعامين إضافيين، ليتحول من 3 إلى 5 سنوات. هذا القرار الكارثي يعني ببساطة مزيداً من القروض، مزيداً من الديون، ومزيداً من المعاناة للشعب المصري الذي تحمل أعباء التقشف والإصلاحات الفاشلة دون أن يرى أي تحسن.
الحكومة المصرية تفشل مرة تلو الأخرى في إدارة الاقتصاد، وتختار دائمًا الحلول السهلة على حساب المواطن البسيط.
السيناريو الثاني يكشف عن تقاعس الحكومة في اتخاذ قرارات جريئة. فهو يمنح الحكومة عامًا آخر لتنفيذ حزمة تحفيز، تشمل وقف زيادات أسعار الطاقة وخفض أسعار الفائدة، ولكن هذه القرارات تأتي متأخرة جدًا بعد أن فقد المواطنون الأمل في أي تحسن.
من الواضح أن الحكومة تعمل على إرضاء كبار المستثمرين، وتنسى تمامًا معاناة المواطن العادي الذي يكافح للبقاء على قيد الحياة في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات الأساسية.
أما السيناريو الثالث، وهو الأخطر، فيتعلق بطلب الحكومة تمويلاً إضافياً من صندوق النقد الدولي. الحكومة تسعى بكل وقاحة إلى الحصول على مزيد من الأموال من الصندوق، بينما تصر على الحفاظ على نفس البرنامج الحالي الفاشل الذي أثبت عدم فعاليته.
مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لدى صندوق النقد، جهاد أزعور، أعلن بكل وضوح أن زيادة التمويل غير مرجحة، في إشارة إلى أن الحكومة المصرية باتت بلا خيارات حقيقية وأن الوضع الاقتصادي يتجه إلى هاوية أعمق.
وفي إطار هذا السيناريو، تأمل الحكومة في توفير حزمة مالية تشمل رفع الحد الأدنى للأجور وتقديم علاوات دورية لأصحاب المعاشات، إلى جانب زيادة مساهمات برنامج “تكافل وكرامة” وتوسيع خدمات الرعاية الصحية.
ولكن هذه الحزم، إذا تحققت، لن تكون سوى مسكنات مؤقتة. فالحكومة لم تفِ بوعودها السابقة، ولا يبدو أنها قادرة على توفير التمويل دون تحميل البلاد ديوناً إضافية تغرق الاقتصاد أكثر.
المصادر ذاتها كشفت أن مصر تواجه “ظروفاً استثنائية” بسبب التوترات الإقليمية وتأثيرها على إيرادات قناة السويس، ولكن السؤال الحقيقي هو: لماذا وصلت مصر إلى هذه المرحلة؟ الجواب بسيط، الفساد الحكومي المستشري وسوء الإدارة الاقتصادية التي تغيب عنها الرؤية طويلة الأجل هي السبب الرئيسي في هذا الانهيار التدريجي.
عبد الفتاح السيسي، في تصريحاته الأخيرة، لم يكن صريحاً بما فيه الكفاية. تحدث عن إمكانية مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في ضوء التحديات الاقتصادية، لكنه لم يذكر كيف ستتم هذه المراجعة ولا ما إذا كانت ستحقق نتائج ملموسة.
هذا التصريح يبدو محاولة بائسة لتهدئة الأوضاع، ولكنه لن يخفي الحقيقة المريرة: الحكومة المصرية غير قادرة على إدارة الأزمة ولا تملك خطة بديلة.
إيرادات قناة السويس، التي كانت تعتبر من أهم مصادر العملة الصعبة، تتراجع باستمرار في ظل الظروف الحالية، ما يزيد الضغط على الاقتصاد المصري ويزيد من تعقيد الأزمة.
في حين أن الحكومة تحاول الحفاظ على برنامج الصندوق الحالي، الحقيقة أنها تستمر في تنفيذ سياسات اقتصادية تضر بالمواطنين وتستفيد منها طبقة صغيرة من الأثرياء والمسؤولين.
منذ توقيع اتفاق القرض مع صندوق النقد، والشعب المصري يعيش في حالة من الانتظار المميت. وعود الحكومة المتكررة بالإصلاح والنهوض بالاقتصاد تحولت إلى كابوس مزمن، والنتيجة كانت انهياراً في مستويات المعيشة وارتفاعاً جنونياً في الأسعار.
لا يمكن تجاهل أن الفساد الذي ينخر في مفاصل الدولة، من أصغر مسؤول إلى أعلى قمة هرم السلطة، هو السبب الرئيسي في عدم جدوى أي محاولة للإصلاح.
والآن، مع اقتراب زيارة كريستالينا جورجيفا، تسعى الحكومة المصرية إلى إظهار نفسها بمظهر الجادّ في مواجهة التحديات. لكن الواقع مختلف تماماً: الحكومة تستمر في تحميل الشعب أعباء فشلها الذريع، دون أي نية حقيقية للتغيير أو الإصلاح.
المصريون لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من الأكاذيب، وحان الوقت لمحاسبة المسؤولين الذين يقودون البلاد نحو الهاوية.
السيناريوهات الثلاثة التي طرحتها الحكومة المصرية ليست سوى محاولة لإخفاء الفشل. هذه السيناريوهات لا تقدم حلولاً حقيقية للأزمة الاقتصادية، بل تعكس مزيداً من التقاعس والتردد.
مصر بحاجة إلى قيادة حقيقية قادرة على اتخاذ قرارات جريئة، لا إلى حكومة فاسدة تعيش على حساب آمال وطموحات شعبها.
يظل السؤال الأهم: إلى متى سيستمر هذا الفساد؟ وإلى متى ستستمر الحكومة في تجاهل واقع الشعب الذي يعاني من سوء الإدارة الاقتصادية؟ إن مصر بحاجة إلى ثورة حقيقية في الإدارة، وليس مجرد تغيير في شروط قرض لن يحل شيئاً.