واشنطن وإعادة هندسة الشرق الأوسط: خطة أمريكية متجددة للسيطرة والتغيير
نظمت مؤسسة مدى للرؤى الاستراتيجية ورشة عمل تحت عنوان “معالم الشرق الأوسط الجديد .. تحديات الحروب وصراعات القوى الكبرى”، لتسلط الضوء على التحولات الجذرية التي تشهدها المنطقة وسط الاضطرابات المستمرة والمتغيرات السريعة.
تأتي هذه الورشة في وقت تتصدر فيه واشنطن المشهد الإقليمي بسياسات مدروسة ومخططات استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط وفق رؤى تخدم مصالحها الاستراتيجية بعيدة المدى في ظل المتغيرات المتسارعة والاضطرابات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط.
الاستراتيجية الأمريكية ليست جديدة بل تمتد لعقود من التخطيط المنهجي الذي يهدف إلى تعزيز نفوذ واشنطن في المنطقة وضمان استمرارية مصالحها السياسية والاقتصادية.
تعتمد الولايات المتحدة على مزيج من القوة العسكرية والدبلوماسية لتثبيت موقعها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، مع التركيز على حماية حلفائها وضمان التدفق المستمر للموارد الحيوية مثل النفط، وتوجيه التحولات السياسية بما يخدم مصالحها.
الورشة تناولت تلك التحديات والفرص التي يفرضها هذا المشهد الجديد، مع تحليل دقيق لصراعات القوى الكبرى وتأثيراتها على مستقبل المنطقة، مما جعلها منصة هامة لتبادل الرؤى حول تطورات الصراع الإقليمي.
الأهداف الثابتة في السياسة الأمريكية
لطالما اعتمدت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على مجموعة من الأهداف الثابتة التي لا تتغير مع مرور الزمن أو تغير الإدارات أول هذه الأهداف هو حماية إسرائيل وضمان تفوقها العسكري والسياسي في المنطقة هذا الهدف يعتبر حجر الزاوية في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ويدعمه كل رئيس أمريكي بغض النظر عن انتمائه الحزبي
الهدف الثاني يتمثل في ضمان تدفق صادرات النفط من المنطقة بأسعار مستقرة وغير متذبذبة خاصة وأن العديد من حلفاء واشنطن يعتمدون على النفط الخليجي بشكل كبير وهذا يفرض على الولايات المتحدة أن تبقى متواجدة بقوة في المنطقة لمنع أي تهديد قد يعرقل هذا التدفق
أما الهدف الثالث فهو دعم الأنظمة الحليفة سواء كانت تلك الأنظمة ملكية أو جمهورية طالما أن هذه الأنظمة تحقق الاستقرار وتحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة
الأهداف الوظيفية: التغيير السياسي والاقتصادي
إلى جانب الأهداف الثابتة تسعى واشنطن إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الوظيفية التي تتعلق بفرض نموذجها السياسي والاقتصادي على دول المنطقة أول هذه الأهداف هو الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي تسعى الولايات المتحدة إلى فرضه من خلال تشجيع التحول نحو النموذج الليبرالي في الحكم والديمقراطية حيث تعتبر أن هذا النموذج هو الحل المثالي لضمان الاستقرار في المنطقة
كما تركز الولايات المتحدة على تعزيز الحريات وحقوق الإنسان وهو أمر يتم الترويج له بقوة خاصة عندما يتعلق الأمر بالدول التي تعتبرها واشنطن أنظمة قمعية وغير ديمقراطية ومن هنا تأتي المطالبة بالتغيير السياسي التي تركز على إعادة ترتيب المنطقة بما يتناسب مع المصالح الأمريكية في المرحلة المقبلة
استخدام القوة العسكرية “الصلبة” لتحقيق الأهداف
واشنطن لا تتردد في اللجوء إلى القوة العسكرية لتحقيق أهدافها في الشرق الأوسط حيث تعتمد على التدخل العسكري المباشر عندما ترى أن هناك حاجة ملحة لحماية مصالحها سواء كان ذلك في العراق أو أفغانستان أو حتى ليبيا وسوريا وتستخدم في ذلك ما يعرف بـ”القوة الصلبة” التي تعتمد على الحسم العسكري المباشر لفرض التغيير السياسي أو إعادة ترتيب الخريطة الجيوسياسية بما يخدم مصالحها
استراتيجية بايدن: تكتيك جديد ولكن الأهداف القديمة
مع تولي إدارة بايدن السلطة في الولايات المتحدة تم الإعلان عن إطار جديد للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط حيث تسعى الإدارة الحالية إلى تبني استراتيجية تقوم على بناء شراكات وتحالفات جديدة تهدف إلى تعزيز الردع والحد من المخاطر الأمنية مع تقليل الاعتماد على التدخل العسكري المباشر
هذه الاستراتيجية الجديدة ترتكز على عدة محاور أساسية أولها تعزيز العلاقات مع الدول التي تتبنى النظام الدولي القائم على القواعد والتأكد من أن هذه الدول قادرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية ومن هنا يأتي الدعم المتواصل للأنظمة الحليفة في المنطقة خاصة تلك التي تشترك مع واشنطن في رؤيتها حول التهديدات الأمنية الإقليمية
أما المحور الثاني فيتمثل في حماية حرية الملاحة عبر الممرات المائية الرئيسية في الشرق الأوسط مثل مضيق هرمز وباب المندب حيث تعتبر واشنطن أن هذه الممرات حيوية للتجارة الدولية ولا يمكن السماح لأي قوة إقليمية أو أجنبية بتهديدها
إلى جانب ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى خفض التوترات في المنطقة من خلال الدبلوماسية والعمل على إنهاء الصراعات القائمة أو على الأقل تقليل حدتها لتجنب اندلاع حروب جديدة
ما بعد السابع من أكتوبر: تحديات جديدة وفرص دبلوماسية
منذ هجمات السابع من أكتوبر التي غيرت معالم الصراع في الشرق الأوسط تسعى واشنطن إلى استغلال هذه اللحظة الحرجة لفرض رؤيتها الجديدة للمنطقة ففي أعقاب هذه الهجمات ركزت الولايات المتحدة على إضعاف الجماعات المسلحة مثل حماس وحزب الله وضمان تفوق إسرائيل في مواجهة التهديدات المتزايدة من إيران
دينيس روس المساعد الخاص السابق للرئيس أوباما أكد في تحليله للوضع أن إسرائيل نجحت خلال عام واحد في تقليص تهديد “حماس” وتحجيم نفوذها العسكري والسياسي كما تم تدمير قيادات “حزب الله” الرئيسية مما يعني أن الساحة مهيأة الآن لتحقيق تحولات دبلوماسية جديدة أبرزها استعادة السيطرة على لبنان من قبضة “حزب الله” وفتح المجال أمام التطبيع بين إسرائيل والسعودية
التصعيد الإيراني واستراتيجية الردع الأمريكية
في مواجهة التهديد الإيراني المتزايد تسعى واشنطن إلى اتباع استراتيجية الردع الصارم حيث تعمل على إقناع النظام الإيراني بأن أي استمرار في زرع الفوضى في المنطقة سيكون له ثمن باهظ كما تسعى إلى تقليص النفوذ الإيراني في الدول العربية من خلال تعزيز التحالفات الإقليمية وتوسيع نطاق السلام العربي الإسرائيلي
الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط قد تشهد تحولات جذرية خلال العام القادم خاصة إذا نجحت واشنطن في استغلال هذه اللحظة الحرجة من خلال تبني نهج منسق يشمل الحكومة الأمريكية بأكملها لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة
الشرق الأوسط في قبضة واشنطن
تعمل واشنطن بجد على هندسة شرق أوسط جديد يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية ويضمن لها السيطرة على مفاتيح المنطقة الرئيسية من خلال تعزيز تحالفاتها والضغط على خصومها والاستفادة من التوترات الإقليمية لتحقيق أهدافها سواء كانت تلك الأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية