مقالات ورأى

طارق العوضي يكتب: لاعبي الزمالك في الإمارات.. تداعيات ما بعد الأزمة 

تستوقفنا في قضية لاعبي الزمالك الثلاثة طبيعة الحدث في حد ذاته، فهو لم يتجاوز كونه لحظة انفعال عابرة في مباراة رياضية، وهو أمر معتاد في الملاعب العالمية. 

كما أن العلاقات بين الشعوب تتجاوز في أهميتها وعمقها الأحداث العابرة والقضايا المؤقتة،

وتمثل العلاقات المصرية الإماراتية نموذجاً فريداً للتواصل الإنساني والحضاري بين الشعوب العربية. فعلى مدار عقود طويلة، نسج البلدان شبكة متينة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تجلت في صور شتى من التعاون والتكامل.

إن الرياضة، وكرة القدم على وجه الخصوص، تمثل جسراً للتواصل بين الشعوب وأداة لتعزيز الروابط الإنسانية. والأحداث الرياضية، مهما بلغت حدتها، ينبغي ألا تكون سبباً في إحداث شرخ في العلاقات بين الشعوب الشقيقة. فالتاريخ الطويل من العلاقات الوثيقة بين مصر والإمارات يفرض علينا جميعاً مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث وتنميته.

لقد أظهر المجتمع الإماراتي على مر السنين احتضاناً كبيراً للجالية المصرية، وقدم نموذجاً رائعاً في التعامل الإنساني والأخوي. وفي المقابل، يكن الشعب المصري كل التقدير والاحترام لدولة الإمارات قيادةً وشعباً. وهذه العلاقة المتميزة تستدعي التعامل مع القضايا العارضة بحكمة وروية، مع مراعاة البعد الإنساني والاجتماعي.

وعليه، فإن مثل هذه القضايا تتطلب نظرة متوازنة تجمع بين احترام القانون وسيادته من جهة، ومراعاة العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية من جهة أخرى. فالقانون في نهاية المطاف وُجد لخدمة المجتمع وتنظيم العلاقات بين أفراده، وليس لإحداث شرخ في النسيج الاجتماعي أو التأثير سلباً على العلاقات بين الشعوب.

فالرياضة بطبيعتها مجال تنافسي يشهد أحياناً بعض التجاوزات اللحظية التي سرعان ما تزول بزوال المباراة. لكن تحول هذا الحدث البسيط إلى قضية جنائية، وما تبعه من حكم قضائي، قد يترتب عليه آثار سلبية تتجاوز بكثير حجم الحدث نفسه.

فعلى المستوى الرياضي، يؤثر هذا الحكم بشكل مباشر على مسيرة اللاعبين المهنية، وقد يحرمهم من فرص تمثيل المنتخب الوطني أو الانتقال إلى أندية خارجية.

كما يلقي بظلاله على نادي الزمالك الذي سيفقد جهود لاعبيه في مباريات مهمة، مما قد يؤثر على نتائجه وجماهيره العريضة.

أما على المستوى الجماهيري، فقد تسبب الحكم في حالة من الاستياء والتعاطف مع اللاعبين، خاصة وأن الحدث لم يتجاوز كونه مشادة كلامية عابرة في لحظة انفعال. هذا الاستياء قد يؤدي إلى تأثر العلاقات بين جماهير كرة القدم في البلدين، وهو ما لا يتناسب مع عمق العلاقات التاريخية بين الشعبين.

وعلى مستوى العلاقات المجتمعية، يمكن أن يؤدي هذا الحكم إلى تداعيات غير مرغوبة على التواصل بين الشعبين. فالملايين من المصريين الذين يعيشون ويعملون في الإمارات قد يشعرون بالقلق من تكرار مثل هذه المواقف، رغم أن الواقع يؤكد أن هذه القضية استثنائية ولا تعبر عن طبيعة العلاقات بين البلدين.

إن من شأن هذا الحكم أن يخلق سابقة في التعامل مع الأحداث الرياضية البسيطة، وقد يفتح الباب أمام تحويل المنافسات الرياضية من مجال للتنافس الشريف إلى ساحة للمواجهات. وهو ما قد يؤثر سلباً على روح الرياضة وقيمها النبيلة.

كما أن تحويل حدث رياضي بسيط إلى قضية جنائية قد يؤثر على مستقبل المباريات والبطولات المشتركة بين الفرق المصرية والإماراتية. فقد يتردد اللاعبون والأندية في المشاركة خوفاً من تحول أي احتكاك رياضي عادي إلى مشكلة قانونية.

والأهم من ذلك كله، أن هذا الحكم قد يؤثر على الصورة الذهنية المتبادلة بين الشعبين. فرغم أن العلاقات المصرية الإماراتية أعمق وأقوى من أن تتأثر بحدث عابر، إلا أن تراكم مثل هذه المواقف قد يترك أثراً سلبياً على المدى البعيد.

إن الغاء هذا الحكم أو إيجاد تسوية قانونية مناسبة في مثل هذه القضايا لا يمثل إخلالاً بالعدالة، بل هو تجسيد لروح القانون التي تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وحماية النسيج الاجتماعي. فالعلاقات بين الشعوب هي رصيد استراتيجي لا يمكن المساس به بسبب أحداث عابرة، مهما كانت طبيعتها.

لذا، فإن الحكمة تقتضي معالجة هذه القضية البسيطة بما يتناسب مع طبيعتها العابرة، وبما يحافظ على المصالح المشتركة للبلدين والشعبين. فالعبرة ليست في شدة العقوبة، بل في تحقيق العدالة بشكل متوازن يراعي كافة الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والرياضية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى