مقالات ورأى

المعتصم الكيلاني : تشريع إسرائيل لحظر أنشطة الأونروا: تحليل قانوني وتداعيات دولية

المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان

في خطوة مثيرة للجدل تثير القلق حول التزامات إسرائيل تجاه القانون الدولي، قامت إسرائيل اليوم ٢٨ اكتوبر ٢٠٢٤ بتشريع قانون يهدف إلى حظر أنشطة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)

على الأراضي التي تسيطر عليها. يُعد هذا التشريع بمثابة تحدٍ جديدٍ للجهود الإنسانية التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في مناطق عدة، حيث يعتمد هؤلاء اللاجئون على هذه الوكالة الدولية في الحصول على خدمات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية الأساسية.

تثير هذه الخطوة العديد من التساؤلات القانونية والأخلاقية حول مدى امتثال إسرائيل للشرعية الدولية، وتأثير هذه الإجراءات على حياة الفلسطينيين واستقرار المنطقة. يعكف هذا المقال على استعراض التبعات الإنسانية والاجتماعية والأمنية المحتملة لحظر أنشطة الأونروا،

وتحليل كيفية تصدي المجتمع الدولي لهذا التشريع من أجل ضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين واستمرارية الخدمات الحيوية التي تعتمد عليها مجتمعاتهم.

الأونروا: الدور والضرورة الإنسانية

تأسست الأونروا في عام 1949 بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتُعد الوكالة الجهة الرئيسية التي تقدم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا.

وتقدم الوكالة خدمات شاملة تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والمساعدات الغذائية، والإغاثة الطارئة، والسكن، ما جعلها عنصرًا لا غنى عنه في حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.

تشريع القانون الذي يسعى إلى إنهاء أنشطة الأونروا يشكل تهديدًا خطيرًا على الوضع الإنساني في هذه المجتمعات، حيث إن وقف المساعدات الأساسية قد يترتب عليه تداعيات خطيرة تشمل انهيار النظام الصحي المحلي،

وارتفاع نسبة الأمية، وتفاقم الفقر والبطالة. يعتمد عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين على الأونروا في تأمين احتياجاتهم الأساسية، ومنعها من العمل سيؤدي إلى أزمة إنسانية حادة.

خرق للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة

يتعارض حظر أنشطة الأونروا بشكل مباشر مع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي أكدت على استمرار ولاية الأونروا حتى الوصول إلى حل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين. يمثل هذا القانون خرقًا للعديد من المعاهدات الدولية التي تدعو إلى حماية حقوق اللاجئين وتوفير المساعدات لهم.

وفقًا للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، يُحظر على الدول منع أو إيقاف المساعدات الإنسانية عن السكان المدنيين، مما يجعل هذا التشريع تعديًا على الالتزامات الإنسانية الدولية.

يُعد هذا التشريع أيضًا انتهاكًا لقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويضات عن ممتلكاتهم.

فتعطيل أنشطة الأونروا يعوق إمكانية اللاجئين في الاستفادة من هذا الحق، ويزيد من صعوبة حصولهم على الدعم اللازم، كما يعرقل السعي نحو حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.

المخاطر الإنسانية والاجتماعية

يؤدي حظر أنشطة الأونروا إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المناطق الفلسطينية، حيث تعتمد البنية التحتية للمجتمعات اللاجئة على خدمات الوكالة. أحد أبرز الجوانب التي ستتأثر هو قطاع التعليم،

إذ توفر الأونروا مدارس لعشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين، وستؤدي تعطيل هذه المدارس إلى تزايد أعداد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، ما يهدد بمستقبل أجيال بأكملها، ويزيد من احتمالات انتشار البطالة والفقر في أوساط الشباب الفلسطيني.

كما أن وقف الرعاية الصحية التي تقدمها الأونروا سيزيد من الضغط على النظام الصحي المحلي، الذي يعاني أساسًا من نقص الموارد والإمكانات، مما يهدد بتفشي الأمراض ويعرض حياة آلاف اللاجئين للخطر.

تقدم الأونروا أيضًا دعماً غذائيًا ومساعدات مالية للفئات الأكثر فقرًا، وحظر هذه الخدمات سيزيد من حدة انعدام الأمن الغذائي والاقتصادي، مما يعمق من معاناة اللاجئين الفلسطينيين ويدفعهم نحو المزيد من اليأس والتهميش.

تداعيات أمنية وإقليمية

إن حظر أنشطة الأونروا قد يؤدي إلى تأجيج التوترات السياسية والأمنية في المنطقة. يشعر الفلسطينيون أصلاً بتجاهل قضاياهم، ومع حظر أنشطة الأونروا قد يتفاقم شعورهم بالتهميش والقهر، ما قد يدفعهم إلى تنظيم احتجاجات واسعة،

وقد تصل بعض ردود الفعل إلى أشكال من المقاومة التي قد تتسبب في تأزيم الوضع الأمني.

كما أن التشريع الإسرائيلي يمكن أن يؤثر سلبًا على العلاقات مع الدول المجاورة، كالأردن ولبنان، اللتين تستضيفان أعدادًا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، وتعتمدان على الأونروا لتقديم الخدمات لهم.

قد تجد هذه الدول نفسها مضطرة لتحمل أعباء إضافية إذا تم تقييد عمل الأونروا، مما قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية وضغوط اقتصادية، ويهدد استقرار المنطقة بشكل أكبر.

التأثير السلبي على المساعدات الدولية

يمكن أن يؤدي قرار حظر أنشطة الأونروا إلى إضعاف ثقة المجتمع الدولي في قدرة الأمم المتحدة على أداء دورها في المنطقة، ويشكل تحديًا واضحًا لجهود المجتمع الدولي في دعم اللاجئين الفلسطينيين.

كما أن شعور الدول المانحة بعدم الجدوى أو تأثير القرارات الأحادية الجانب قد يؤدي إلى انخفاض التمويل الموجه للأونروا، مما يزيد من معاناة اللاجئين ويعمق الأزمة الإنسانية.

وفي حال انسحاب الجهات المانحة أو تقليصها للتمويل، ستزداد معاناة اللاجئين الفلسطينيين، وستواجه الدول المضيفة تحديات أكبر في تقديم الدعم اللازم لهؤلاء اللاجئين. وبالتالي، فإن تقويض أنشطة الأونروا سيضع عبئًا هائلًا على السلطة الفلسطينية والدول المضيفة، التي تعاني أصلاً من ضغوط اقتصادية وتحديات اجتماعية.

كيف يمكن للمجتمع الدولي مواجهة هذا الحظر؟

يمكن للمجتمع الدولي أن يتخذ خطوات متعددة للتصدي لحظر أنشطة الأونروا، تبدأ من الإجراءات الدبلوماسية وصولًا إلى الضغط القانوني. أولًا، يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، خاصة الدول الداعمة للأونروا،

أن تُمارس ضغوطًا مباشرة على إسرائيل للتراجع عن هذا التشريع، من خلال بيانٍ جماعي في الجمعية العامة أو مجلس الأمن، يُؤكد على التزام المجتمع الدولي بحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين ودعم حق الأونروا في تقديم خدماتها.

ثانيًا، يمكن اللجوء إلى المحافل القانونية الدولية، كالمحكمة الجنائية الدولية، للنظر في إمكانية تقديم شكوى ضد الحظر باعتباره خرقًا للاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية. إلى جانب ذلك،

تستطيع الدول المانحة زيادة دعمها المالي للأونروا، لتعويض أي تأثير ناتج عن هذا التشريع، وإرسال رسالة قوية بأن دعم اللاجئين الفلسطينيين سيستمر رغم التحديات.

أخيرًا، يمكن للمجتمع الدولي استخدام الضغط الإعلامي لإبراز الأثر الإنساني والاقتصادي المحتمل للحظر، وحشد الرأي العام العالمي ضد هذه الإجراءات الأحادية، مما سيعزز من الحماية السياسية للأونروا ويؤكد التزام العالم بدعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في الحصول على حياة كريمة.

هل يوجد حل بديل؟

في النهاية، يمثل التشريع الإسرائيلي لحظر أنشطة الأونروا تحديًا صريحًا للمجتمع الدولي وقراراته المتعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين. ويتطلب الوضع الراهن معالجة قانونية ودبلوماسية دقيقة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لضمان استمرارية عمل الأونروا وحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

ربما يكون الحل الأنسب هو تعزيز الحوار بين الأطراف المعنية وإيجاد آليات مشتركة تدعم الأونروا لتستمر في أداء دورها بفعالية وحيادية، إلى جانب السعي للوصول إلى حل عادل وشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث تبقى حقوق هؤلاء اللاجئين أولوية ضمن إطار القانون الدولي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى