الذكري الـ 41 لعودة الوفد إلي الساحة السياسية بحكم قضائي تاريخي في مواجهة السلطة
في خطوة تعتبر من أبرز انتصارات القضاء المصري على مر التاريخ، صدر حكم قضائي تاريخي من محكمة القضاء الإداري بجلسة 29 أكتوبر 1983 في الدعوى رقم 115 لسنة 38 قضائية، ليعيد حزب الوفد إلى الساحة السياسية مرة أخرى بعد سنوات من الغياب القسري.
هذا الحكم، الذي شكل نقطة تحول محورية في تاريخ الأحزاب السياسية في مصر، جاء ليؤكد دور القضاء المصري في إعلاء سيادة القانون والعدالة ضد قوى السلطة، ويعيد الاعتبار لحزب الوفد الجديد بقيادة الدكتور وحيد فكري رأفت، نائب رئيس الحزب، الذي كان يمثل الحزب في الدعوى المرفوعة ضد كل من رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشورى بصفته رئيسًا للجنة شئون الأحزاب السياسية ووزير الدولة للحكم المحلي ومحافظ القاهرة.
في مشهد نادر الحدوث في التاريخ المصري، كان حزب الوفد، الذي يحمل تراثًا سياسيًا كبيرًا، قد تم حظره وتهميشه منذ عقود من الزمن نتيجة لتوجهات سياسية قمعية من قبل السلطات الحاكمة.
إلا أن الأمل لم يفارق أعضاء الحزب، حيث قرروا خوض معركة قانونية استمرت لسنوات طويلة في سبيل استعادة شرعية وجودهم. تلك المعركة التي أثبتت أن حقوق الأحزاب السياسية لا يمكن قمعها بسهولة مهما بلغت قسوة الظروف السياسية، وأن العدالة يمكن أن تنصف من يعمل من أجل الحق.
في حيثيات الحكم التاريخي الصادر عن محكمة القضاء الإداري، أكد القضاء أن الحقوق الدستورية المكفولة للأحزاب السياسية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُسلب بقرارات إدارية غير مبنية على أسس قانونية سليمة.
وقد جاء نص الحكم ليقول بأن اللجنة المكلفة بشئون الأحزاب قد تجاوزت صلاحياتها عندما أصدرت قراراتها التعسفية بحق حزب الوفد. المحكمة أشارت بشكل مباشر إلى أن تلك القرارات لم تكن مبنية على أسباب قانونية واضحة ومقنعة، بل كانت انعكاسًا لرغبات سياسية بهدف تهميش الحزب ومنعه من ممارسة دوره الطبيعي في الحياة السياسية.
إضافة إلى ذلك، أكدت المحكمة على أن قانون الأحزاب السياسية في مصر لم يكن يستهدف حجب الأحزاب ذات التاريخ الكبير، بل جاء ليضمن تنظيم العمل السياسي وفق قواعد ديمقراطية سليمة، إلا أن اللجنة القائمة على شئون الأحزاب أساءت استخدام سلطتها من خلال اتخاذ قرارات تعسفية تتعارض مع روح الدستور والقانون.
وهذا ما دفع المحكمة إلى إصدار حكمها بإعادة حزب الوفد إلى الحياة السياسية، بعد أن أثبتت الأدلة والشهادات أن الحزب لم يرتكب أي مخالفات قانونية تستدعي منعه من ممارسة دوره.
ولم يكن هذا الحكم مجرد انتصار لحزب الوفد وحده، بل كان رسالة قوية لجميع القوى السياسية في مصر بأن العدالة ستظل حامية للحقوق السياسية للأفراد والأحزاب مهما حاولت السلطة التضييق عليها. فالمحكمة لم تكتفِ بإصدار حكمها فقط، بل وجهت انتقادات لاذعة للأجهزة الحكومية التي ساهمت في قمع الحزب وتهميشه.
وأكدت في حيثياتها أن القرار بإعادة حزب الوفد للحياة السياسية لم يكن سوى تصحيح لخطأ تاريخي جسيم ارتكبته السلطات في حق الحزب وأعضائه.
وفي هذا السياق، جاء دفاع الوفد الجديد بقيادة الدكتور وحيد فكري رأفت واضحًا وقويًا. حيث أشار خلال جلسات المحكمة إلى أن قرار حظر الحزب كان قرارًا سياسيًا بحتًا وليس له أي أساس قانوني.
وقدم فريق الدفاع مستندات تثبت تاريخ الحزب ودوره الكبير في الحياة السياسية المصرية، مشددًا على أن الوفد لم يكن طرفًا في أي صراع سياسي أو جماعة معارضة تهدد استقرار الدولة، بل كان حزبًا يسعى لتعزيز الديمقراطية والعمل من خلال القنوات الرسمية.
الدكتور وحيد فكري رأفت، الذي قاد الوفد في هذه المعركة القضائية الشرسة، كان يدرك منذ البداية أن المعركة ليست مجرد صراع سياسي، بل هي معركة من أجل سيادة القانون والعدالة.
دفاعه الذي استند إلى تاريخ الحزب العريق ودوره في تعزيز الحياة الديمقراطية في مصر، لم يكن مجرد حجج قانونية، بل كان تعبيرًا عن قناعة عميقة بأن حزب الوفد لم يرتكب أي مخالفة قانونية تستدعي حظره.
حكم المحكمة كان بمثابة تصحيح لخطأ تاريخي ارتكبته السلطات بحق حزب يمثل جزءًا لا يتجزأ من تاريخ مصر السياسي.
فالوفد كان ولا يزال رمزًا للنضال الوطني والسياسي منذ تأسيسه، ولم يكن يستحق أبدًا هذا التهميش الجائر الذي تعرض له على مدار سنوات.
ما يميز هذا الحكم عن غيره هو أن المحكمة لم تكتف بإعادة حزب الوفد فقط، بل وجهت رسالة شديدة اللهجة إلى السلطات الحاكمة بأن محاولات قمع الأحزاب لن تمر دون مساءلة.
بل إن هذا الحكم التاريخي جاء ليؤكد أن القضاء المصري هو الحامي الأساسي للدستور والحقوق السياسية في البلاد، وأن كل من يحاول خرق هذه الحقوق سيواجه عقبات قانونية لا يستطيع تجاوزها مهما بلغت قوته السياسية.
ردود الأفعال على هذا الحكم كانت عاصفة. كثيرون اعتبروه نقطة تحول في مستقبل الحياة السياسية المصرية، وآخرون رأوا فيه فرصة لإعادة إحياء الديمقراطية التي حاولت السلطة دفنها لسنوات طويلة.
لقد كان هذا الحكم بمثابة ضربة قاصمة لكل من يعتقد أن بإمكانه تهميش أحزاب ذات ثقل تاريخي وسياسي مثل الوفد.
وقد لاقى الحكم القضائي ردود أفعال واسعة على مختلف الأصعدة. فالسياسيون والمثقفون رحبوا به باعتباره انتصارًا للقانون والدستور، في حين اعتبره البعض بمثابة ضربة قوية لمحاولات السلطة المستمرة للسيطرة على المشهد السياسي في مصر.
بل إن بعض الشخصيات السياسية وصفت هذا الحكم بأنه “إعادة روح” لحزب الوفد، الذي ظل لعقود من الزمن رمزًا للنضال الوطني والسياسي في البلاد.
كما أرسل الحكم رسالة واضحة إلى السلطات الحاكمة بأن القمع السياسي لن يمر دون مساءلة، وأنه لا يمكن لأي جهة حكومية أن تتجاوز حقوق الأفراد أو الأحزاب دون مواجهة العدالة.
وقد أكدت المحكمة في نصوصها على أن الديمقراطية الحقيقية لا تقوم إلا من خلال تعددية حزبية حقيقية، وأن محاولة السيطرة على الحياة السياسية من خلال تهميش بعض الأحزاب أو قمعها يمثل انتهاكًا صريحًا للدستور.
وفي سياق آخر، أشار العديد من الخبراء القانونيين إلى أن هذا الحكم سيكون له تأثير كبير على مستقبل الحياة السياسية في مصر، حيث سيكون رادعًا لأي محاولات مستقبلية للتضييق على الأحزاب. كما أنه سيعيد التوازن إلى الساحة السياسية التي طالما كانت تعاني من هيمنة السلطة.
حيث يمثل هذا الحكم محطة مهمة في مسار النضال السياسي المصري، حيث أكد مجددًا على دور القضاء في حماية الحقوق السياسية، وأعاد الحياة لحزب الوفد الذي يعد جزءًا أصيلًا من التاريخ السياسي المصري.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيكون هذا الحكم بداية لمرحلة جديدة من التعددية السياسية في مصر؟ وهل ستتعلم السلطة درسًا بأن قمع الأحزاب لن يؤدي إلا إلى مزيد من المقاومة والمطالبة بالحقوق؟حيث
إن هذا الحكم التاريخي هو انتصار لكل من يؤمن بسيادة القانون والديمقراطية، وهو تأكيد على أن القضاء المصري سيظل دائمًا الدرع الحامي للحقوق والحريات. وفوق كل شيء، هذا الحكم هو تذكير بأن العدالة قد تتأخر، لكنها في النهاية لا تموت.