تستمر ظاهرة التسول في مصر في التزايد بشكل مثير للقلق مما يكشف عن أزمة اجتماعية عميقة تعاني منها البلاد وخصوصا في الصعيد
حيث تمثل محافظة أسيوط نموذجا صارخا لفشل السياسات الحكومية التي لم تتجاوز مجرد التصريحات والأقوال الفارغة بينما يواصل المتسولون الانتشار بشكل متسارع في كل مكان
تعتبر ظاهرة التسول في أسيوط من الأمور التي لم تعد مقتصرة على الشوارع والميادين فقط بل انتشرت لتصل إلى العيادات الخاصة والمستشفيات وأمام دور العبادة الأمر الذي يكشف عن مدى التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع المصري
هذه الظاهرة لم تكن حديثة العهد بل تفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة حتى وصل عدد المتسولين في المحافظة إلى نحو 300 شخص ولكن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير إذا ما أضفنا الأعداد الموجودة في القرى والمراكز المجاورة
تجوب النساء والأطفال الشوارع بحثا عن القليل من التعاطف أو الرأفة مما يجعلهم يظهرون في الأماكن التي يعتقدون أنها ستساعدهم على كسب لقمة العيش حتى لو كان ذلك من خلال التسول
الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول دور الحكومة في معالجة هذه القضية الأليمة هل تعجز الحكومة عن توفير فرص عمل لهؤلاء الأفراد أم أن هناك تقاعساً متعمداً يحول دون ذلك
رغم أن القانون يفرض عقوبات صارمة على ظاهرة التسول إلا أن هذه العقوبات لا تُطبق بشكل فعّال حيث تصل عقوبة التسول إلى السجن لمدة عام كامل
ولكنها لم تمنع انتشار الظاهرة بشكل يثير القلق ما الذي يمنع الحكومة من تنفيذ القوانين بصرامة وإنفاذ العدالة لوقف هذا المد المتزايد من التسول الذي يسيء إلى سمعة الوطن
تتحدث الأديان السماوية عن أهمية العمل والنشاط كوسيلة لتحقيق الرزق حيث يشدد الإسلام على أهمية الكسب الحلال والابتعاد عن التسول
في حين يدعو الإنجيل أيضا إلى العمل والاجتهاد ولكن من الواضح أن هذه المبادئ لم تُطبق بشكل فعلي في المجتمع المصري بل على العكس أصبح التسول سبيلاً لكسب العيش وكأنه حل بديل للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الكثيرون
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن المتسولين قد ابتكروا أساليب جديدة لجذب تعاطف المارة مثل استخدام سيارات ربع نقل لنقل مشاكلهم الحياتية إلى الناس
مما يجعل البعض يعتقد أنهم في حاجة ماسة للمساعدة لكن هذه التصرفات قد تُظهر بوضوح أن هناك تفشيًا للأزمة حتى في المفاهيم الإنسانية البسيطة
تدخل المتسولون إلى المؤسسات الحكومية في بعض الأحيان مما يتسبب في إحراج العاملين وتكبدهم الكثير من الضغوط النفسية
وقد أبدى الكثير من الموظفين ضجرهم من هذه التصرفات التي لا تعكس صورة جيدة عن المجتمع وأصبح من الضروري وضع خطط عمل واضحة لمواجهة هذه الظاهرة التي تضر بالمؤسسات والمجتمع ككل
تتفاقم هذه المشكلة في ظل غياب الرعاية الصحية لهؤلاء الأفراد مما يجعلهم عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض خصوصا في ظل انتشار الأوبئة مثل جائحة كورونا
فالكثير من المتسولين لا يعتنون بصحتهم أو نظافتهم الشخصية مما يُشكل تهديدًا للصحة العامة وقد أطلقت وزارة الصحة العديد من المبادرات لمواجهة هذه الأزمة ولكنها تبقى غير كافية ولا تُعالج الجذور الحقيقية للمشكلة
إن استمرار هذه الظاهرة في أسيوط دون اتخاذ إجراءات فعلية وجادة من الحكومة يمثل إدانة صارخة لعدم قدرتها على معالجة القضايا الأساسية التي تواجه المجتمع وبات من الضروري أن يتحمل المسؤولون في الحكومة أعباء هذه الأزمة بدلاً من تجاهلها والاعتماد على الحلول المؤقتة
يجب أن تتخذ الحكومة خطوات جدية لمكافحة الفقر والبطالة من خلال توفير فرص عمل كريمة وتعليم جيد للمواطنين لتمكينهم من الحصول على حياة كريمة بدلاً من البحث عن طرق غير مشروعة لكسب العيش
إن ظاهرة التسول لا تعكس فقط فشل الحكومة في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية بل تبرز أيضا الفجوة الكبيرة بين الشعب والحكومة والتي تتطلب إعادة النظر في السياسات المتبعة والعمل على تقديم حلول عملية تساهم في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين في صعيد مصر
هذه الظاهرة ليست مجرد قضية اجتماعية بل هي مؤشر حقيقي على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة الأمر الذي يتطلب وقفة جادة من الجميع لرفع صوتهم والضغط على الحكومة لتحمل مسؤولياتها وتحسين الظروف الحياتية لكل المصريين بدلاً من السماح باستمرار هذه المأساة التي تستنزف الطاقات البشرية في المجتمع وتعرضه لمزيد من التدهور والفقر