تعيش مصر على وقع أزمة طاحنة تضاف إلى سلسلة الأزمات المتلاحقة التي تتعرض لها البلاد، حيث يتصاعد الغضب بين أصحاب المخابز المدعمة، الذين يقترب عددهم من 40 ألف مخبز، بعد أن أصدر وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور شريف فاروق قرارًا كارثيًا يحمل الرقم 175 لسنة 2024.
هذا القرار الذي جعل العقوبات تتجاوز مجرد الغرامات، حيث تشمل الحبس والغلق لفترات تصل إلى ستة أشهر، ورفعت الغرامات بشكل مهول تصل إلى أربعة أضعاف، مما دفع أصحاب المخابز إلى حالة من الغضب والاحتجاج العارم.
في الوقت الذي تضع فيه الحكومة يدها على الفساد المتفشي في منظومة الخبز، يبدو أنها تختار عمداً تجاهل الحقائق المُرة.
فالكثير من المواطنين يعتبرون القرار بمثابة انتصار بعد تردي جودة رغيف الخبز المدعم، الذي بات في بعض المخابز غير صالح للاستهلاك الآدمي.
لكن الحكومة تعاني من حالة من العمى، حيث لا ترى معاناة الشعب الذي يُضطر إلى تناول الخبز الفاسد بسبب غياب البدائل.
أصحاب المخابز أعلنوا عن رفضهم القاطع للقرار الكارثي، وقرروا اعتصامهم في الاتحاد العام للغرف التجارية، مطالبين بلقاء الوزير. لكن ما الذي حدث؟ سفر رئيس الاتحاد مع الرئيس السيسي إلى روسيا للمشاركة في قمة بريكس أعاد الأمور إلى المربع الأول وأجَّل الاجتماع إلى أجل غير مسمى.
تصرفات الحكومة في هذه اللحظات تُظهر بوضوح تقاعسها وفشلها في إدارة الأزمة. وعلى الرغم من محاولات رئيس الشعبة العامة للمخابز، عبدالله غراب، تهدئة الأوضاع، إلا أن الشارع المصري لم يعد يحتمل.
ويبدو أن القرار رقم 175 لسنة 2024، الصادر في 15 أكتوبر، هو مجرد حبر على ورق، حيث لم يتم نشره في جريدة الوقائع الرسمية، مما يثير علامات استفهام حول جدية الحكومة.
ورغم كل هذه المتغيرات، يتلاعب أصحاب المخابز بالقرار، ويتسابقون للضغط على الوزير ورئيس الاتحاد من أجل تجميد تطبيقه قبل النشر. إنها حلقة من الفساد الواضح.
في الوقت نفسه، واصل أصحاب المخابز حملاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشروا أخباراً كاذبة عن إلغاء القرار، مما يعكس حالة اليأس والإحباط السائدة.
بينما وزارة التموين تصر على تنفيذ القرار، مدعيةً أنها تأخذ شكاوى المواطنين بعين الاعتبار، لكن هذه الشكاوى تُعد مجرد ضجيج في أذن حكومة فاسدة.
يتساءل الكثيرون لماذا لم تتحرك وزارة التموين بسرعة أكبر، مع ضرورة التعاون مع الجهات الرقابية، لوضع لائحة شاملة لمخالفات المخابز.
فالحاجة ملحة لوجود خطة عمل واضحة تتضمن كيفية الحفاظ على الدعم المقدم للمواطنين وحقوق أصحاب المخابز في التظلم من أي مخالفات. كما يجب أن يسهم ذلك في تحسين جودة الخبز المدعوم ويحقق التوازن في العلاقة بين الحكومة والمخابز.
في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية متفاقمة، شهدت أسعار الخبز السياحي والفينو ارتفاعًا ملحوظًا بسبب الزيادات المستمرة في أسعار السولار والدقيق.
فقد رفعت المخابز أسعارها بنسب تتراوح بين 25 و50 بالمائة، مستغلة الوضع الحالي. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تزداد الأسعار في مختلف القطاعات نتيجة زيادة أسعار الوقود، مما ينذر بموجة جديدة من الغلاء.
تشير التوقعات إلى أن ارتفاع أسعار المحروقات سيزيد من تكلفة الإنتاج الزراعي بنسبة 10 بالمائة، مما يؤثر على كافة مدخلات الإنتاج الزراعي، بما في ذلك تكاليف الري والعمالة.
ونتيجة لهذه الزيادات، ارتفع سعر الدقيق الفاخر إلى 34 ألف و500 جنيه للطن، فيما شهدت أجور العمالة زيادة نتيجة تكاليف النقل.
وبالتالي، ارتفعت أسعار الخبز السياحي بما يتراوح بين 10 و15 بالمائة، حيث يسجل سعر رغيف الخبز وزن 50 جرامًا 1.25 جنيه، بينما يصل سعر رغيف الوزن الأكبر إلى 3 جنيهات.
ورغم كل هذه الأزمات، فإن الحكومة لا تزال متمسكة برفع أسعار الخبز السياحي، حيث نص التوجيه الوزاري رقم 15 لسنة 2024 على تحديد أسعار جديدة للخبز السياحي الحر.
فقد حددت أسعار الخبز السياحي الحر وزن 80 جرامًا بـ 150 قرشًا، ووزن 40 جرامًا بـ 75 قرشًا. ورغم أن الحكومة تتحمل فرق زيادة أسعار الوقود بالنسبة لرغيف الخبز المدعم، إلا أن ذلك لم يمنع من تطبيق الزيادة على الخبز السياحي.
وفي خضم هذه الأوضاع، أقدمت الحكومة في مايو الماضي على رفع سعر رغيف الخبز المدعم للمرة الأولى منذ 30 عامًا بنسبة 300 بالمائة، لتصبح 20 قرشًا بعد أن كانت 5 قروش.
وتتحمل الدولة نحو 97.2 مليار جنيه لدعم رغيف الخبز، الذي يصل إجمالي عدد أرغفته إلى 97.7 مليار رغيف سنويًا، وفقًا لبيانات وزارة المالية.
وتتواصل الفوضى مع إصدار الحكومة توجيهات وزارية لتنظيم أسعار الخبز السياحي، ولكن في الوقت نفسه، تترك المخابز الحرة تحت رحمة السوق، مما يساهم في تفاقم الفساد واستغلال المواطن البسيط.
ليس هناك ما يضمن أن هذه القرارات ستجلب الفائدة المرجوة، في وقت يتطلع فيه المصريون إلى حكومة قادرة على اتخاذ قرارات فعالة تلبي احتياجاتهم الأساسية.
فهل سيبقى الشعب المصري صامتاً أمام هذا الفساد؟ أم أن صرخاتهم ستصل إلى آذان الحكومة الفاسدة التي لا تزال تفضل الصموت عن سماع الحقائق المرة؟
إن الوضع لم يعد يحتمل، والشعب يستحق أفضل من ذلك. فالأزمة تتطلب حلاً حقيقياً، لا مزيد من الوعود الكاذبة والقرارات الفاشلة.