مقالات ورأى

ناجي عبد الرحيم : النكسة المصرية الإستراتيجية من اقتصاد العسكر إلى اقتصاد الحرب.. تآكل قيم الجوار وانتكاسة سيادية القرار

ناجي عبد الرحيم :خبير إدارة المشروعات الاستراتيجية وسلاسل الإمداد

نائب رئيس إتحاد القوى الوطنية المصرية لشئون التخطيط الاستراتيجي

في قلب الشرق، تتأرجح مصرُ تارة كالبندول الذي لا يراوح مكانه ، وأخرى كالبوصلة التي فقدت وجهتها منذ 2013 ،  حيث كانت مصر تشارك الجوار آماله وآلامه ، وتزرع معه جذور الصمود للصعود،

 لكنها أضحت منقلبه على كل القيم ، ومُحمّلة بأثقال الاضطراب وتبدد الأدوار ، فتُباع أصولها وتُباع شراينها المائية منها والجوية، فالمطارات – التي أعلن عن بيعها مؤخراً -ليست مجرد محطات عبور بل عروقٌ تضخ السيادة في جسد الوطن؛

فكيف إذا باتت هذه الشرايين تحت معصم مصالح قوىً لا ترى في الأرض وطنًا، بل سوقًا ومغنمًا؟

ومع كل خطوة تخطوها نحو الخصخصة، تزداد خيوط التبعية التفافًا حول عنق السيادة، فتغيب القوة والقدرة ، ويمتد سلطانٌ غريب ليتحكم في شرايين الحياة من عقول ومياة ومعابر برية وبحرية وجوية، 

ثم تُساق مواردها نحو آفاق غريبة تبتعد مع كل يوم عن مفهوم الاستقلال الاقتصادي، وتتلاشى في سراب الطموحات الفردية الآنية.

الأثر الاستراتيجي على نفوذ مصر الإقليمي 

لطالما كانت مصر قوة مؤثرة في دعم استقرار المنطقة العربية والشرق الأوسط، خاصةً في قضايا الجوار وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأمن الإقليمي والدولي ، إلا أنها ومع تصاعد الأزمات الداخلية، بدأ هذا الدور في التراجع، مما سمح لقوى إقليمية بملء الفراغ في ظل غياب الدور المصري،

الذي كان أساسًا في دعم الفلسطينيين، حيث تُظهر الإحصاءات الأخيرة الوضع الكارثي في غزة، دون حراك مصري لفك الحصار ، أو لحماية الجوار ، أو لمنع احتلال معبر رفح الدولي الذي تشرك مصر فيه مع الأردن والإتحاد الأوروبي ، ناهيك عن محور صلاح الدين المصري ، بل وتعدى الأمر إلى فشل المفاوضات ،

وأطلاق مبادرات ، بالتوازي مع القضاء على غزة والقطاع ، حيث بلغ عدد الشهداء أكثر من43,600، وأُصيب ما يفوق من 6,250 آخرين، بينما هُجّر 1.9 مليون مواطن، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية، ويكشف عن الفراغ الناجم عن التراجع المصري في تقديم الدعم الإقليمي.

ولا يقف الأمر عند حدود فلسطين ، بل تعدى الجوار الجغرافي إلىى الجوار الإقليمي ، حيث لبنان أيضًا يعاني من تداعيات غياب الدور المصري، وهو ما زاد الأوضاع سوءًا منذ تصاعد الأزمة في سبتمبر 2024،

الذي خلف 2,464 قتيلًا و11,530 مصابًا، والعدد في تنامي، كما أجبر النزاع 809,000 إنسان على النزوح الداخلي، مما أدى إلى استنزاف طاقة الملاجئ الجماعية واستضافة المدارس لأكثر من 400,000 طفل نازح، مع تأخير بدء العام الدراسي. وتعرض 100 مركز صحي وخمس مستشفيات للقصف، وللأسف يجد لبنان كجار لفلسطين يشترك معها في مواجهة تداعيات الحرب،

 وهو ما يزيد من فجوة غياب الدعم العربي ويعكس مزيدًا من الانحسار في التأثير المصري، واشتعال الشرق الأوسط .

التبعية الاقتصادية وتداعيات بيع الأصول الاستراتيجية السيادية 

في مواجهة ضغوط اقتصادية متزايدة، ومع وصول الدين الخارجي إلى 165.3 مليار دولار، لجأت مصر إلى بيع أصولها الأساسية والإستراتيجية لتعويض نقص السيولة؛ وهو ما يُعرّض السيادة الوطنية لخطر متزايد، كشف عنه هذا القرار في سياق سياسة حكومية تهدف لزيادة تدفقات العملة الصعبة،

 ثم تتجه بقوة نحو التبعية الإقتصادية بالإعتماد على الإستثمارات الأجنية والتي تمثل تهديدًا طويل الأمد، فلا يخفى على اقتصادي أن المستثمر الأجنبي ، خاصة في القطاعات الحيوية، يضعف من قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مستقلة، ويعرض الموارد الوطنية لضغوط تجارية وسياسية، مما يخلق علاقة تبعية تُهدد السيادة الوطنية، إذ تصبح البلاد خاضعة لتوجهات قوى أجنبية.

المخاطر الأمنية والسيادية في الخصخصة وبيع الأصول الحيوية وفي مقدمتها المعابر والمنافذ البرية والجوية والبحرية

تُعد المطارات من الأصول الاستراتيجية التي تشكل شريان الحياة للدولة، والتي للأسف تعرضت للبيع الذي بدأ بمطار مرسى علم الذي تم خصخصته بالكامل، إذ تُديره بالكامل شركة خليجية،

وهو ما يعد نموذجًا لما يمكن أن يُشكل خطرًا على السيادة المصرية خاصة إذا ما انتشرت الخصخصة في بقية المطارات الحيوية، كما أعلن رئيس الحكومة ، بما تعمل عليه حكومته من طرح عدد من المطارات للقطاع الخاص، بما فيها مطار القاهرة، وشرم الشيخ، وسفنكس، هذا الاتجاه نحو خصخصة المطارات يحمل خطرًا استراتيجيا،

حيث تصبح المنافذ الجوية تحت سيطرة شركات خارجية، مما يُقيد قدرة الدولة على التحكم في منافذها وبواباتها الاستراتيجية الجوية ويُعرضها لضغوطات خارجية غير محسوبة، خاصة في الأزمات السياسية، فلا خلاف على أن الاعتماد على مشاركة القطاع الخاص لإدارة المطارات قد يُعزز من دخل الدولة على المدى القصير،

إلا أنه يُضعف من مرونة الدولة في حماية أمنها القومي، حال الخصخصة التي تتجه لها الحكومة، حيث تصبح المنافذ الجوية عرضة للتحكم من قِبل جهات خارجية، ما يجعل مسألة السيادة الوطنية على المحك.

تداعيات النكسة الاستراتيجية والإنتكاسة الاقتصادية على التماسك الاجتماعي

يظهر التحليل الاستراتيجي لأثر التضخم وتآكل القدرة الشرائية ، وتفاقم الضغوط الاقتصادية في مصر، وهو ما دفع معدل التضخم للصعود إلى 26% في عام 2024، مما زاد من صعوبة الحياة اليومية للمواطنين؛ أدى هذا التضخم إلى انخفاض قيمة الجنيه وتآكل القوة الشرائية، مما رفع أسعار السلع الأساسية وأثقل كاهل المواطن والمقيم ، 

وزاد التدهور في الأوضاع الاقتصادية مع تنامي حالة السخط العام ، وتهديد التماسك الاجتماعي، وهو ما يضع الدولة على خط الإفلاس السيادي ، الإقتصادي والإجتماعي والسياسي ، خاصة وأن هذه التحديات ليست وليدة عام وإنما هي متصاعده منذ 2013 ، بعد عودة الإقتصاد العسكري لحكم البلاد وزيادة التوترات الاجتماعية،

بالإستيلاء على الأراضي ، واعتقال العقول، وتهجير الكفاءات، والقضاء على الطبقة المتوسطة والفقيرة في البلاد ، وهو ما يزيد من الضغوطالداخلية ويرفع احتمالية اضطرابات تعيد البلاد إلى المسار الصحيح ، وتدفع القيادة العسكرية إلى العودة استعادة الديمقراطية التي شهدتها البلاد لمدة عام واحد فقط وهو ما جعلها تجربة غير متكاملة لإدارة البلاد نحو التصحيح والتطوير والتنمية المستدامة . 

شرايين الدولة هي تحديات التوازن بين الأمن القومي واستدامة النمو الاجتماعي

في ضوء التحديات الأمنية المتزايدة، تُحوّل مصر جزءًا كبيرًا من مواردها المتسهلكة في الإقتصاد العسكري ، نحو الإنفاق الدفاعي المسمى بإقتصاد الحرب، وهو ما يُثقل كاهل الاقتصاد المتهالك ويحد من القدرة على تمويل قطاعات حيوية كالتعليم والصحة، فالأصل العلمي والعملي لإقتصاد الحرب أو ما يمكن وصفه “باقتصاد الصراع” ،

هو توجيه الموارد إلى مجالات التسلح والدفاع على حساب التنمية الاجتماعية، مما يؤدي إلى تراجع في مستوى الخدمات الأساسية، ويزيد من أعباء الحياة اليومية على المواطن والمقيم ، وأضيف لها النازح والمهاجر من الجوار الإقليمي- حيث سوريا والسودان ، ثم فلسطين ولبنان -هذا التحول نحو الدفاع دون موازنة كافية لإدارة الخدمات ،

وتعافي الإقتصاد والمؤسسات ، من شأنه أن يضع مستقبل التنمية على خط الإنهيار التام ، ويُثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق توازن يحافظ على الأمن القومي، مع تعزيز الخدمات التي يحتاجها الشعب لتحقيق حاجاته اليومية ، بعد سنوات عشر عجاف تحت سيطرة الإقتصاد العسكري وسيادة المؤسسات العسكرية في مختلف مناحي الحياة .

وفي كلمات : مصر على أبواب اقتصاد الحرب.. يسقط المواطن ويفنى الشعب 

أمام هذه التحولات، يُبرز الاقتصاد المصري تحوّلاً نحو نموذج اقتصادي يعتمد على الدفاع وتهميش القطاعات الحيوية، مما يجعل المواطن في مواجهة دائمة مع الضغوط الاقتصادية،

بعد اتجاه القيادة العسكرية للبلاد ، نحو الصومال والمشاركة في تولي القيادة العسكرية البديلة لقوات حفظ السلام الدولية في أفريقيا في مطلع العام القادم ، حيث يناير 2025 ، ليكون التحول إلى “اقتصاد الحرب” الذي يضعف القوة والقدرة المصرية على بناء مجتمع مستقر ، بل ويزيد من الأعباء على الإقتصادية ، وتكلفة الحياة اليومية ،

ليكون عبئاَ مضافاً على أعباء أعوام لم تستطيع الحكومة تجاوزها ، وعليه يكون التساؤل حول مستقبل التنمية والحياة في مصر؛ فهل يمكن تحقيق التوازن بين الأمن والدفاع، مع الحفاظ على القدرة الاقتصادية التي تضمن استقرار الشعب؟ أم سيستمر السقوط في مستنقع التبعية الإقتصادية والسياسية ؟ أم سيكون للشعب صرخة حياة، ونداء عدالة ، تمكنه من استعادة الحق في حماية البلاد ؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى