تقاريرمصر

مأساة مقابر الإمام الشافعي: الحكومة تترك التاريخ يتلاشى وسط الفساد والهدم

في ظل جدران مقابر الإمام الشافعي تتجسد مأساة إنسانية لا تنتهي تمثل واقعاً مريراً ومؤلماً لأبناء هذا المكان الذين يعيشون فوق عظام الأجداد وتاريخ مصر العظيم.

تعكس عيون هؤلاء الحزن العميق والحسرة على ما فقدوه من هوية ووجود. إن الإهمال الحكومي والفساد المستشري في المؤسسات المعنية قد أسفر عن مشهد كارثي حيث تحولت البيوت إلى أنقاض والأسر إلى شتات بلا مأوى أو مصير.

تتساقط الأحواش التي كانت تأوي العائلات لسنوات طويلة تحت ضربات آلات الهدم، تاركة خلفها جروحاً غائرة في قلوب من عاشوا فيها.

في الأروقة المظلمة للمقابر تتعالى الأصوات المقهورة من أبناء المنطقة الذين يسألون بمرارة: إلى أين سنذهب بعد أن هدمت منازلنا.

يتحدث البعض عن تعويضات مادية لا تعبر عن حجم المأساة، ويشكون من أن الحكومة تروج لوحدات سكنية بأسعار تفوق قدرتهم على الشراء. لقد ضاعت أحلامهم في الحصول على مسكن آمن لأسرهم.

يتحسر السكان على الآثار التاريخية التي تم هدمها دون أدنى احترام لتراث الأجداد، حيث فقدوا ليس فقط منازلهم بل جزءاً من تاريخهم وهويتهم الثقافية.

يصور المكان كأنه شهد موتاً جماعياً، حيث تتناثر ذكريات الأجيال فوق ركام التاريخ. ما يحدث هنا لا يعد مجرد عمليات هدم، بل هو إهانة متعمدة لتراث حضارة قديمة تميزت بالتنوع والجمال.

تتجلى معالم الفساد عندما يستسلم البعض للواقع الأليم، حيث يعتبرون التعويضات التي تقدمها الحكومة مجرد فتات لا يذكر.

يقاوم البعض هدم الأضرحة، لكنهم يجدون أنفسهم عاجزين أمام آلة الدولة الجبارة التي تسحق كل ما يعترض طريقها. إن البقاء على قيد الحياة في ظل هذه الظروف القاسية أصبح أقرب إلى المعجزة.

في المقابل، تتجلى قلة من الأشخاص الذين لا يملكون شيئاً، بل إن أغلب الأراضي تعود لعائلات عريقة من زمن محمد علي.

يُظهر ذلك الفجوة الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية، حيث ينعم البعض بالامتيازات في حين يعاني الآخرون من التهميش والإقصاء. يتساءل السكان: لماذا يتعين علينا أن نكون ضحايا لأفعال الفاسدين بينما هم يستفيدون من عمليات الهدم.

تمتد أيدٍ خفية لتدمير معالم حضارية، حيث تجري عمليات الهدم على مرأى ومسمع الجميع دون أي رادع. تثار التساؤلات حول وجود لجنة متخصصة من وزارة الآثار لرصد المعالم التاريخية والتأكد من عدم هدمها. إن المشهد الحالي يبعث على القلق ويعكس حالة الفوضى والعشوائية في إدارة التراث الثقافي.

تخضع المواقع الأثرية لأهواء السلطات المحلية، حيث يُعطى الضوء الأخضر لهدم القباب الأثرية دون أي اعتبار لتاريخها.

إن هذه الانتهاكات تمثل مساساً غير مقبول بميراث البلاد، وهو ما لا يمكن السكوت عنه. لماذا يتم ترك الآثار للإهمال بينما يواجه السكان مصيراً مجهولاً.

وأثناء هدم أحد الأضرحة الأثرية، صدم الطلاب الأجانب من الهند الذين جاءوا لدراسة التراث الثقافي بهذه الفوضى، حيث أظهروا استياءهم من غياب الرؤية الواضحة لحماية التراث. فكيف يمكن لمصر أن تظل دولة تاريخية عندما يُدمر تراثها بلا هوادة.

ما يحدث هو في جوهره بمثابة تحطيم للذاكرة الجماعية للمصريين. إن عملية نقل رفات الأموات من مقابرهم إلى أماكن غير معروفة تعتبر جريمة لا تغتفر في حق تاريخ الأحياء والأموات على حد سواء. إنه تحطيم متعمد لقيمنا ومبادئنا التي تربينا عليها.

لقد أصبح الأمر يستدعي التدخل العاجل من قبل كل من له علاقة بالمحافظة على التراث، لكن في غياب هذا الدعم، يواجه السكان مصيراً محتوماً وسط الدمار. إنهم يقفون في مواجهة آلة الهدم بلا سلاح، في حين تتوارى الحكومة عن الأنظار وكأنها ليست المسؤولة عن هذه الكارثة.

ويعيش سكان مقابر الإمام الشافعي في كابوس يومي، حيث يكتنفهم الإحباط والخيبة. إن مشهد الدموع والألم يتكرر كل يوم، ومع كل جولة هدم جديدة، تزداد حدة المأساة. نناشد الحكومة أن تنظر إلى ما يحدث في هذه المنطقة، وألا تترك التاريخ يندثر تحت أقدام الفاسدين.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى