تعيش مصر واحدة من أسوأ الأزمات الصحية في تاريخها الحديث حيث تتجلى فصول التقاعس والفساد الحكومي في النقص الحاد للأدوية الأساسية التي تهدد حياة الملايين من المواطنين
تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء عن انتهاء أزمة الدواء بنسبة 95% تأتي كفيلم رعب يتكرر في كل مرة دون أي مسوغات منطقية
فبينما يعاني المواطنون من شبح نقص الأدوية يخرج المسؤولون ليتحدثوا عن إنجازات وهمية وكأنهم يعيشون في عالم موازٍ بعيد عن الحقائق
في مؤتمر صحفي عقد بمقر مجلس الوزراء بعد اجتماع الحكومة الأسبوعي أطلق مدبولي قنبلة من التصريحات التي أثارت جدلاً واسعاً حين قال “حلينا أزمة نقص الدواء بنسبة 95%” لكن في واقع الأمر تعكس هذه الكلمات استهتار الحكومة بمعاناة الشعب
فالواقع يقول عكس ذلك تماماً حيث لا تزال أدوية حيوية مثل الأنسولين وأدوية الهرمونات مفقودة بشكل يهدد حياة المرضى فما معنى أن نتحدث عن حل الأزمة بينما الشوارع والعيادات تشهد مشاهد مأسوية لمواطنين يصرخون طلباً للعلاج
وبدلاً من اتخاذ خطوات حقيقية لمواجهة هذه الأزمة يبدو أن الحكومة تكتفي بإلقاء اللوم على الظروف الخارجية والإشادة بإجراءات من المفترض أن تكون سابقة لأوانها إذ كان الأجدر بهم وضع خطة شاملة لدعم الصناعة المحلية بدلًا من الاعتماد على الأرقام المضروبة
والتي تصف حجم الإنتاج المحلي بـ 91% من الاستهلاك بينما يتحكم القطاع الخاص في 93% من هذا الإنتاج أي أن الحكومة هي مجرد متفرج في ساحة المعركة مع الأزمة
وفي محاولة يائسة للتخفيف من حدة الانتقادات طُرح اقتراح من نقابة الصيادلة بتدوين الأسماء العلمية للأدوية في الروشتات الطبية كحل جزئي يعكس سطحية التعامل مع المشكلة
فبينما قد يسهم ذلك في بعض التخفيف فإن ذلك لن يحل جوهر الأزمة المتعلق بنقص الأدوية في الأسواق بل هو بمثابة مسكن مؤقت لآلام عميقة تعاني منها المنظومة الصحية
وفي الوقت الذي يتوقع فيه المواطنون اتخاذ إجراءات صارمة وفعالة لمواجهة الأزمات الصحية فإن الحكومة تخطط لدعوة رئيس هيئة الدواء إلى مجلس النواب لمناقشة الوضع وكأن الحل سيكون متاحاً عبر الكلمات فقط وليس من خلال الأفعال الفعلية
فمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء يشير إلى أن نسبة التصنيع المحلي للدواء قد تصل إلى 93% بحلول عام 2025 ومع ذلك يبقى السؤال المحوري كيف سيتم تلبية احتياجات التصنيع من المواد الخام
إن أرقام وزارة الصحة صادمة إذ تحتاج مصانع الأدوية في مصر إلى 3 مليارات دولار سنوياً لتوفير احتياجاتها من المواد الأساسية لكن الأزمة الأعمق تكمن في عدم توفر هذه الأموال في ظل أزمة العملة الصعبة التي تعصف بالبلاد
في ظل هذه الظروف الصعبة يستمر المواطن المصري في المعاناة من نقص الأدوية الضرورية لحياته اليومية ويعيش في كابوس مستمر من الأزمات المتعاقبة التي لم تجد لها الحكومة حلولاً واقعية
وبالرغم من كل هذه المعطيات فإن مدبولي يسير في طريق مظلم ويرفض الاعتراف بأن الحلول الفعالة تتطلب التزاماً حقيقياً من الحكومة لتحسين الواقع الصحي بدلاً من إلقاء التصريحات الفارغة وأرقام الإنجازات التي لا تمت للواقع بصلة
إن هيئة الدواء مطالبة بالتحرك الفوري ضد الشركات التي تساهم في تفاقم الأزمة من خلال احتكار الأدوية أو التلاعب في توزيعها فالأزمة لا تتعلق بالاحتياجات فقط بل تتعلق بصحة المواطنين وأرواحهم
لذا فإن اتخاذ قرارات صارمة ضد الشركات المتلاعبة أصبح ضرورة ملحة ويجب أن يكون هناك تحرك شامل يعيد الثقة للناس في قدرتهم على الحصول على الأدوية التي يحتاجونها
المواطن المصري ليس مجرد رقم في تقرير حكومي بل هو إنسان يحمل آلامه وآماله ويستحق الحصول على الرعاية الصحية الأساسية دون أن يترك فريسة للوعود الزائفة والأرقام المخادعة في حين تظل الأزمات تتوالى وتتعمق ولا يبدو أن هناك أي نية من الحكومة لمعالجة هذه الأوضاع بصورة جادة
إن نقص الأدوية في مصر يمثل جرس إنذار يجب أن يُسمع من كل زوايا المجتمع ولابد من أن يقف الشعب يداً واحدة لمواجهة الفساد والإهمال في القطاع الصحي
فالصمت على هذه الأزمات يعني السماح لها بالتفاقم أكثر مما هي عليه وبذلك تكون الكارثة أكبر مما يتخيل أحد وأمام هذه التحديات الكبيرة يبقى المواطن المصري في انتظار الأمل الذي يبدو أنه بعيد المنال في ظل حكومة تعيش في عالم من الأوهام